تتجه واشنطن اليوم نحو مرحلة جديدة من الرقابة الأمنية، حيث ستربط دخول ملايين المسافرين الأجانب بفحص دقيق وشامل لماضيهم الرقمي، في خطوة تثير جدلاً واسعاً حول الجوانب القانونية وحقوق الخصوصية.
الإجراء الجديد يستهدف مواطني 42 دولة يستفيدون من برنامج الإعفاء من التأشيرة، وهو البرنامج الذي يتيح السفر إلى أميركا لأغراض العمل أو السياحة دون تأشيرة مسبقة، ويشمل سنويًا ما يقارب 17 مليون مسافر.
ما المستجد في هذا التغيير؟
التحقق لم يعد يقتصر على الهوية البيومترية أو البيانات الكلاسيكية، بل امتد ليشمل السؤال الأوسع: ما شكل حضورك الرقمي؟ وماذا نشرت، ومع من تفاعلت، وكيف تبدو سيرتك الافتراضية؟
وفق المعلومات المتداولة، سيُطلب من المسافرين تقديم مجموعة ضخمة من البيانات الشخصية، تشمل:
-حسابات التواصل الاجتماعي خلال السنوات الخمس الأخيرة.
-أرقام الهواتف المستخدمة خلال الفترة نفسها.
-عناوين البريد الإلكتروني لعشر سنوات سابقة.
-عناوين الـIP، وسجلات الصور والبيانات الوصفية MetaData.
-معلومات مفصلة حول أفراد العائلة.
-بيانات بيومترية مثل بصمات الأصابع وصور الوجه.
ورغم اتساع نطاق البيانات المطلوب تقديمها، لم توضّح السلطات الأميركية بعد كيفية جمع هذه المعلومات أو تحليلها، ما يعمّق المخاوف بشأن الشفافية وحماية الخصوصية.
ماذا تريد واشنطن من حسابات المسافرين؟
لا تقدم الولايات المتحدة تعريفاً محدداً لما تعتبره "محتوى مقلقاً"، لكنها تشير إلى أن الهدف الأساسي هو منع دخول من يحملون "مواقف عدائية" أو يشكّلون تهديدًا محتملاً للأمن القومي، أو ممن يُشتبه بدعمهم للإرهاب.
كما يمكن أن يؤدي نشر "خطاب كراهية" أو محتوى يُفسَّر على أنه تطرف فكري إلى رفض الدخول، وهو ما يثير القلق بسبب قابلية التأويل، إذ قد يُقرأ منشور قديم خارج سياقه الحقيقي.
المفارقة.. غياب الوجود الرقمي مشكلة أيضاً
ورغم الاعتقاد بأن عدم امتلاك حسابات على مواقع التواصل قد يكون في صالح المسافر، إلا أن الواقع يشير إلى العكس. فقد سبق للسلطات الأميركية أن اعتبرت غياب الحضور الرقمي سلوكًا مثيراً للريبة، كما يُنظر أحيانًا إلى حذف الحسابات أو تغيير إعدادات الخصوصية بشكل مفاجئ على أنه محاولة لإخفاء معلومات.
لهذا ينصح محامو الهجرة بعدم حذف الحسابات أو تغيير السلوك الرقمي بشكل مفاجئ قبل السفر.
من المتأثر بهذه السياسة؟
باختصار: نحو 17 مليون شخص يعبرون سنويًا إلى الولايات المتحدة عبر برنامج الإعفاء من التأشيرة سيكونون معنيين بهذه الإجراءات.
ومع توسع مفهوم "الأمن الرقمي"، يتضح أن العالم يدخل مرحلة يُصبح فيها الهاتف الذكي بمثابة سجلّ شخصي مفتوح، وأن الحدود لم تعد تُرسم فقط على الخرائط، بل أيضًا عبر ما تلتقطه الخوارزميات من آثار رقمية.
لهذا، فإن السؤال اليوم لم يعد: هل تحمل تأشيرة دخول، بل هل ينسجم ماضيك الرقمي مع معايير الأمن الأميركية؟
