شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلة من العمليات الأمنية النوعية التي عكست مستوى غير مسبوق من التنسيق والتطور التكنولوجي في مواجهة شبكات المخدرات بين المغرب وإسبانيا، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي والمراقبة المتقدمة عنصرين حاسمين في إحباط تهريب الكوكايين والحشيش عبر مضيق جبل طارق.
عمليات حجز ضخمة
في عملية وُصفت بأنها "تاريخية" بمدينة ألميريا، تمكن الحرس المدني من إسقاط واحدة من أكبر الشبكات الدولية لتهريب المخدرات، بعد سلسلة مداهمات متزامنة في عدة بلديات، بينها بيتشينا وروكيتاس دي مار وإل إيخيدو.
وانتهت العملية بحجز طن ونصف من الكوكايين وتوقيف 12 مشتبهًا، إلى جانب ضبط 764 نبتة ماريجوانا، وسلاح ناري، وخمس مركبات.
ووفق التحقيقات، فإن الشبكة اعتمدت على تعاون واسع مع أطراف تمتد إلى المغرب والبرتغال، إضافة إلى دعم من يوروبول والإنتربول.
وفي واقعة أخرى شبيهة بمشاهد السينما، أحبطت السلطات المغربية والإسبانية محاولة تهريب 129 كيلوغرامًا من الحشيش على متن يخت فخم انطلق من شمال المغرب.
وبدأت القصة حين غادر اليخت ميناء "مارينا سمير" دون استكمال الإجراءات الجمركية، ما أثار الشكوك. وبعد محاولة للهروب في عرض البحر، تمت مطاردته ومحاصرته قرب ساحل ألمدْرابا بمدينة سبتة المحتلة، بفضل التنسيق بين خفر السواحل الإسباني والبحرية الملكية المغربية.
وفي عملية مختلفة نوعيًا، أعلن الحرس المدني عن إسقاط شبكة تستعمل طائرات بدون طيار من نوع "الأجنحة الثابتة"، قادرة على الطيران لمسافات طويلة وبعلو منخفض لتفادي الرادارات.
وأفادت التحقيقات ضمن عملية "Ruche" بتوقيف 9 أشخاص وحجز معدات تقنية متقدمة كانت تُستخدم لتهريب شحنات الحشيش من شمال المغرب إلى جنوب إسبانيا، قبل توزيعها داخليًا.
وتؤكد هذه العملية أن شبكات المخدرات انتقلت إلى مرحلة جديدة من الابتكار التقني، ما فرض على أجهزة الأمن تطوير وسائل الردع والمراقبة.
الذكاء الاصطناعي… السلاح الجديد في مراقبة الحدود
أمام تعقّد أساليب التهريب، كشفت وزارة الداخلية الإسبانية مؤخرًا عن منظومة تكنولوجية جديدة تعتمد على:
- الذكاء الاصطناعي للكشف عن المخدرات والمتفجرات
- الأنظمة المضادة للطائرات المسيّرة (Anti-drone systems)
- درونات تنفّذ عمليات مراقبة ذاتية على حدود الاتحاد الأوروبي
وخلال عرضها أمام الحكومة، أكدت كاتبة الدولة للأمن، آينا كالفو، أن هذه الإجراءات تهدف إلى "ضمان العيش المشترك السلمي"، مشيرةً إلى أن الحدود الإسبانية هي أيضًا حدود الاتحاد الأوروبي.
كما أبرزت بدء تطبيق نظام الدخول والخروج الأوروبي ESS في المطارات الإسبانية، ومعبري سبتة ومليلية، و22 ميناءً، والذي يقوم على معالجة آلية للبيانات وتحليل المخاطر عبر تقنيات غير متطفلة.
هل اقتربت "الكارتيلات" من نهايتها؟
تأتي هذه الإجراءات في سياق أوسع يشمل تفعيل اتفاق جديد بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بشأن جبل طارق، والذي يضع نموذجًا معدّلًا للتحكم في الحدود، يسهّل مرور السكان بين الضفتين ويحدّ من الأنشطة غير القانونية.
وبينما تتطور أساليب التهريب من طرف "الكارتيلات" بين المغرب وإسبانيا بوتيرة سريعة، يبدو أن الأنظمة الأمنية تردّ بالمثل عبر الذكاء الاصطناعي والرقابة الرقمية.
ورغم أن المعركة يصعب أن تنتهيَ بين عشية وضحاها، فإن العمليات الأخيرة تؤكد أن التعاون الأمني والتكنولوجي قادر على توجيه ضربات موجعة لعصابات المخدرات التي تنشط بين ضفتي المتوسط.
