بعد "زلزال" أكادير.. هل يطال الإصلاح باقي مستشفيات المغرب؟

 بعد "زلزال" أكادير.. هل يطال الإصلاح باقي مستشفيات المغرب؟
آخر ساعة
الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 - 22:19

شهد المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير ما يشبه "زلزالاً" غير مسبوق في قطاع الصحة العمومية، بعدما أقدم وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، على قرارات تمثلت في إعفاء المديرة الجهوية للصحة بسوس ماسة، والمندوب الإقليمي، ومدير المستشفى، إلى جانب مسؤولين آخرين، فضلاً عن فسخ عقود شركات الحراسة والنظافة والاستقبال.

التهراوي، الذي زار أكادير ووقف شخصياً على معاناة المرضى والأسر، لم يتردد في الاعتراف بوجود اختلالات عميقة في المستشفى الجهوي، سواء من حيث ضعف الخدمات الطبية أو الأعطاب المتكررة في التجهيزات أو النقص الكبير في الأدوية.

وأكد الوزير، أيضا، أن لجنة مركزية أوفدتها الوزارة تشتغل منذ أيام على تشخيص الوضعية وإعداد حلول استعجالية، بينها تزويد المستشفى بمخزون من الأدوية، والتعاقد مع شركات لصيانة الأجهزة، وجلب سكانير جديد لتخفيف الضغط عن مصلحة الأشعة.

كما أعلن عن تخصيص غلاف مالي يناهز 200  مليون درهم لإعادة تأهيل المستشفى، في شراكة مع مجلس جهة سوس ماسة، معتبراً أن هذه الإجراءات ليست آنية بل تدخل في إطار إصلاح هيكلي أوسع يشمل بناء مستشفيات جديدة من الجيل الحديث، أبرزها المستشفى الجامعي بأكادير بطاقة استيعابية تفوق 900  سرير.

هذا التدخل الصارم خلق صدى واسعاً في الرأي العام، وطرح سؤالاً جوهرياً: إذا كان مستشفى أكادير قد استدعى كل هذه القرارات الفورية، فماذا عن باقي المستشفيات العمومية في المغرب التي تعاني بدورها من مشاكل مزمنة؟

وضعية كارثية

تقرير سابق للمجلس الأعلى للحسابات وصف وضع العديد من المستشفيات العمومية بـ"الكارثي"، من حيث تهالك البنايات وغياب الصيانة وضعف التجهيزات الطبية.

كما رصدت تقارير صحافية أعطاباً متكررة في أجهزة الأشعة والمختبرات، ما يؤدي إلى توقف خدمات أساسية لأسابيع أو أشهر، في أكثر من مستشفى جهوي، في حالة متكررة.

ينضاف إلى هذا، وفق مراقبين، أن هذه المستشفيات تعاني من خصاص مهول في الأطباء والممرضين، خاصة في المناطق النائية، كما يدفع ضعف الأجور وقلة التحفيزات بعض الأطر إلى الهجرة نحو الخارج أو القطاع الخاص.

خصاص حاد

ويُعتبر النقص الحاد في الموارد البشرية من أبرز التحديات التي تعيق المنظومة الصحية في المغرب.

فحسب المعطيات الرسمية، لا يتجاوز المعدل الوطني 6.2 طبيب لكل 10 آلاف نسمة، وهو رقم وصفه تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بـ"النقص الخطير".

وتشير أرقام وزارة الصحة إلى عجز يقارب 6000 طبيب و9000 من المهن شبه الطبية، فيما تتوقع التقديرات أن تتفاقم الوضعية في السنوات المقبلة، خاصة مع اقتراب 24 في المائة من العاملين شبه الطبيين من سن التقاعد خلال العقد القادم.

 كما أن استقطاب القطاع الخاص لجزء كبير من الكفاءات يزيد من نزيف الموارد البشرية في المستشفيات العمومية، ما يجعل هذا الخصاص مرشحاً لمزيد من التفاقم.

تفاوت مجالي

وفق تقرير برلماني سابق، فإن المغرب يتوفر على 152  مستشفى عمومي بطاقة استيعابية تناهز 25 ألف سرير، لكن التوزيع الجغرافي غير متوازن، حيث تتركز الخدمات في المدن الكبرى مقابل عجز في الأقاليم القروية.

كما أشار تقرير سابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن الدولة تخصص، فقط، ما بين 5  و6٪ من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الصحي، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بما لا يقل عن 12٪.

هذا النقص، وفق نفس المصدر، ينعكس على انقطاع الأدوية وضعف الصيانة وتراجع جودة الخدمات.

كما وثقت منظمات حقوقية حالات احتجاز مرضى وجثث داخل المستشفيات بسبب عجز الأسر عن تسديد الفواتير، بينما لفتت تقارير أخرى إلى ضعف النظافة ونقص الأدوية الأساسية وتأخر مواعيد العلاج.

إصلاح شامل أم رد فعل ظرفي؟

التجربة التي عرفها مستشفى أكادير تكشف أن التدخل ممكن حينما تتوافر الإرادة السياسية والضغط المجتمعي، لكن الأوضاع المتردية في باقي المستشفيات تؤكد أن الأزمة بنيوية وليست محلية.

ويعتبر حقوقيون أنه، لكي ينجح الإصلاح ويكون بنيويا فعلا، ينبغي رفع الميزانية الصحية لتلبي التوصيات الدولية؛ والاستثمار في صيانة وتحديث البنية التحتية والتجهيزات؛ وكذا تحسين ظروف عمل الأطباء والممرضين.

كما يدعون إلى ضمان توزيع عادل للخدمات الصحية بين المدن والقرى، مع اعتماد إدارة شفافة ومحاسبة واضحة لمسؤولي المستشفيات.