منذ أن أصبحت كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم، قبل عقود طويلة خلت، صارت تستفز الكثير من المثقفين حول العالم للكتابة عنها، نقداً في الغالب، ومدحاً في ما ندر.
وكتب عن هذه الرياضة ذات الشعبية الكاسحة الكثير والكثير، قبل أن يتم تجاوز منطق اللعب فيها إلى التجارة، ثم السياسة، وحتى الثقافة.
ويعتبر المثقف الأوروغواني الراحل إدواردو غاليانو أن رحلة كرة القدم هي "رحلة حزينة من المتعة إلى الواجب"، موردا، في كتابه "كرة القدم بين الشمس والظل"، أنه كلما تحولت هذه الرياضة إلى صناعة، "كان يجري استبعاد المجال الذي يتولد من متعة اللعب لمجرد اللعب، وفي نهاية قرننا هذا، تستنكر كرة القدم الاحترافية ما هو غير مفيد، وما هو غير مفيد في عرفها هو كل ما لا يعود بالربح".
عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية، ونحن على أبواب مونديال قطر في نونبر ودجنبر القادمين، ارتأى أن يدلي بدلوه من خلال مقال له تناول فيها أهمية الحضور المغربي، وضرورة ترسيخ صورة حضارية عن هذا الحضور.
بوصوف أدلى بدلوه، كمثقف، مشيرا إلى أن الاستعدادات "لا يجب أن تقتصر على اللاعبين و طاقم التدريب فقط، بل يجب أن تشمل الاستعدادات تحضير الجمهور المغربي الحاضر بمدرجات قطر، و إمداده بالأعلام الوطنية.. و كل الوسائل التي من شأنها أن تُساعده على تقديم أفضل صُور التشجيع و أحسن مساندة نفسية للفريق الوطني المغربي بقطر".
كما دعا بوصوف، من جهة أخرى، إلى استغلال ما وصفها بـــ"منصة مونديال قطر" وكل ما ستوفره من حضور إعلامي قوي و نِسَب مُشاهدات تقدر بالملايين، "لـــتقديم صورة إيجابية عن المغرب الثقافي والسياحي، عن الحضارة و التاريخ العريق، عن التسامح و كرم الضيافة المغربية".
مطالب كبيرة جدا، ويصعب جدا أن تحققها جماهير باحثة عن المتعة ومدفوعة بحب الانتصار، لكن بوصوف يضيف أن التجربة "علمتنا أن حضور العلم الوطني و النشيد الوطني و القمصان الوطنية و القبعات المراكشية و الفاسية و الوزانية، في ملاعب و ساحات عمومية خارج الوطن، تُــــزعج حقا العديد من الجهات الخارجية الحاقدة".
بوصوف تحمّس في مقاله قليلا، وتناول موضوع الألتراس (وهي كلمة باللاتينية تعني "المتطرفين" بالمناسبة)، علما أن الألتراس هي مجموعات تشجع فرق المدن، ولا يوجد لحد الآن "ألترا" تشجع المنتخب الوطني.
وإن كان حضورها طبيعيا ومعقولا في مباراة البطولة الافريقية بين فريقيْ الوداد المغربي و الأهلي المصري يوم الاثنين، فإن وجودها في المقابلات الإعدادية للمنتخب الوطني لكأس العالم مع كل من الولايات المتحدة الأميركية و جنوب إفريقيا، كما دعا بوصوف، غير وارد طبعا.
بوصوف دعا في مقاله إلى عدم ترك "التيران خاوي"، وهذا مطلب هام جدا في ظل الظرفية الحالية التي يعرفها المغرب، لكن شروط تحقيقه تبقى صعبة جدا، فالرسائل التي تحدث عنها بوصوف في بداية تدوينته قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية، والمثقف خير من يدرك أن الجموع لا يمكن السيطرة عليها ولا يمكن ضمان ما قد تقدم عليه في ظل الحماس والجنون الذي تصنعه لعبة كرة القدم.