اسـتعرض باحثون وخبراء مختلـف المقاربـات المعتمـدة في مجـال البيئـة مـن طـرف المقـاولات، معتبرين أن هذه الأخيرة "تعتبر مسـاهمة مهيمـنة في تحقيـق رهانـات التنميـة المسـتدامة مـن خـلال السياســات التــي تعتمدهــا في هــذا المجــال، خاصــة فيمــا يتعلــق بالجوانــب المرتبطــة بالمســؤولية الاجتماعيــة للمقاولات واستراتيجياتها التسييرية".
جاء ذلك خلال ندوة عن بعد نظمتها كل من مجموعــة صنــدوق الإيــداع والتدبيــر وقطــب الاســتراتيجية والتنميــة للمجموعة، تمحورت حول موضوع "التنمية المستدامة: كيف نجعلها واقعا معيشا؟"، وشارك فيها خبراء متخصصون وهم: عدنان شكلي، مديرالاستراتيجية والبرامج بصندوق الإيداع والتدبير، ومنـال العبـويب، أسـتاذة بجامعـة محمـد الخامـس بالربـاط، وأيضا باحثـة مشـاركة في إيكونوميـا ومركـز أبحـاث المدرسـة العليا للتدبير وEgiD، وكذا ماثيلد ديفور، رئيسة الأبحاث حول الاستدامة لدى ميروفا، وداميان نافيزيت، مدير المشاريع الاستراتيجية، صندوق الإيداع بفرنسا.
وأكد المتدخلون بأن المقاولات، اليوم، مطالبة، بالإضافة إلى تحقيق الجدوى الاقتصادية، "بالسهر على أن ترك وقع إيجابي على المجتمع مع احترام أكبر للبيئة"، مذكّرين في الآن ذاته بمفهـوم التنميـة المسـتدامة كمـا حـدده تقريـر برونتلانـد سـنة 1987، الـذي عـرّف مفهـوم التنميـة المسـتدامة بكونهـا "التنميـة التـي تسـتجيب للاحتياجـات الراهنـة بـدون الإخـلال بقـدرات الأجيال المقبلة على الاستجابة لاحتياجاتها الخاصة".
كما حـاول المشـاركون، خلال هذه الندوة، الإجابـة علـى مختلـف الأسـئلة، وعلـى الخصـوص المتعلقـة منهـا بكيفيـة جعـل التنميـة المسـتدامة واقعـا معيشـا، وتفـادي الوقـوع في مـا يسـمى بـ"التلميـع البيئـي"greenwashing والانخراط بشكل أكبر لفائدة استدامة كوكب الأرض.
إن التنمية المستدامة، وفق المشاركين دائما، هي ثمرة اقتران ثلاثة عناصر أساسية: الإنسان، الربح، الكوكب، "ويعني عنصر الكوكب أن تدمج المقاولات على وجه الاستعجال تغير المناخ في مجموع أنشطتها، بينما ينبغي، في عنصر الإنسان، الاهتمام بإحداث وقع إيجابي على جميع الأطراف المعنية بالمقاولة، سواء كانوا مستخدمين أو مجتمعات محلية، أما عنصر الربح فيُحيل إلى ضرورة اعتبار أن التنمية المستدامة تشكل نشاطا مدرا للربح بالنسبة للمقاولة".
وأضاف المتدخلون أن الأمر عموما يتعلق بمفهوم جد بسيط في صياغته، غير أنه شديد التعقيد عند تطبيقه، "ومن بين أوجه هذه التعقيدات أن تعتبر منظمة معينة بأن التنمية المستدامة لا تهم سوى جزء من نشاطها في حين أن الأمر يتعلق بمبدأ أفقي ينطبق على كل مهنة، إضافة إلى لزوم اعتبار أن التنمية المستدامة تشكل محركا حقيقيا للاقتصاد وميزة تنافسية وعنصرا كفيلا بأن يضمن استمرار واستدامة المقاولة".
وعليه، فإن إحدى سبل التنمية وتحسين المستقبل تكمن في تكوين مواطني الغد على رهانات التنمية المستدامة منذ الطفولة الأولي، "وهو ما من شأنه إعطاء جيل من المواطنين، سواء كانوا مستثمرين، أو مسيرين، أو مربين، متشبعين بقناعات حماية الكوكب والتوفر على نماذج اقتصادية مستدامة ومسؤولة" يضيف المتحدثون.
واعتبر الخبراء المشاركون في الندوة أن السبيل الآخر للتحسين في الطابع الأفقي للممارسة، والذي يشجع المقاولة على المرور من منطق "تدبير المسؤولية الاجتماعية للمقاولة" إلى منطق "التدبير من خلال المسؤولية الاجتماعية للمقاولة"، ويعني ذلك العمل على إدراج مبادئ التنمية المستدامة يف جميع المستويات الوظيفية للتنظيم (الموارد البشرية، التسويق...) وليس فقط على مستوى الخلية المكلفة بالتنمية المستدامة.
أما عن العوامل الأساسية من أجل اعتماد وتنفيذ سياسة التنمية المستدامة في المقاولة فقد حصرها المتدخلون، على الخصوص في وجود قيادة قوية، وتوفر استراتيجية وأهداف واضحة، مع آلية تنظيمية ملائمة، وأخيرا تكوين جميع المستخدمين والشفافية والتواصل.
وخلص المشاركون في الندوة إلى أن جعل التنمية المستدامة واقعا معيشا "يستدعي أن يتشارك جميع الفاعلين أجندتهم للتنمية المستدامة بغية تحقيق هذا الهدف من أجل إحداث وقع إيجابي على المناخ وعلى المجتمع، فهؤلاء الفاعلون إذن مدعوون لتجاوز المنطق الفردي من أجل العمل الجماعي في إطار منطق ترابي، وبشكل أوسع، من منطلق وطني".
جدير بالذكر أن مجموعة صندوق الإيداع والتدبير منخرطة بقوة في ديناميكية التنمية المستدامة التي جعلت منها إحدى الدعامات الأساسية لاستراتيجيتها، وهي بذلك مصطفة ومتفقة على مختلف مبادئ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة بالإضافة إلى الأهداف الإثنى عشرة للتنمية المستدامة.
ويتجسد هذا الالتزام اليوم في إطار ميثاق التنمية المستدامة الموحد الذي اعتمدته المجموعة والذي يغطي كافة أنشطتها ومهنها، حيث يتم تنزيل هذا الميثاق من طرف المجموعة بطريقة ديناميكية وتدريجية.