لا شيء قاطعا، حتى الآن، كما يتوقع المراقبون، حول كيف سوف تتدبر الجزائر اختراق ما فرضته على نفسها وعلى المغرب من أجل دعوة العاهل المغربي إلى المشاركة في القمة.
المعلومات التي تتسرب من بعض الأوساط الدبلوماسية تشير إلى أن المغرب سوف يقبل الدعوة التي يحملها مبعوث الرئيس عبدالمجيد تبون إلى المغرب وزير العدل الجزائري رشيد طبي لتسليم الملك محمد السادس رسالة الدعوة الرسمية للمشاركة في القمة.
الجزائر قدمت "تفسيرا" بروتوكوليا لهذه الدعوة يقول إنها تجري "وفق القاعدة المعمول بها"، وإنها تعتبر "واجبا أخلاقيا وسياسيا يستلزم معاملة جميع الدول الأعضاء على قدم المساواة، لأن الأمر لا يتعلق بالعلاقات الثنائية، بل بعلاقات متعددة الأطراف".
يرى المراقبون أن هذا "التفسير" هو محاولة من جانب الجزائر لإقناع نفسها بما يجب أن تأخذ به، مما لم تأخذ به، وأن هناك حدودا للعداء يمكن التوقف عندها، وأن مستلزمات عقد القمة تستوجب تقديم بعض "التضحيات" البروتوكولية. إلا أن الطبيعة البروتوكولية، والكثير من تفاصيلها "الصغيرة"، تبدو محنة قائمة بذاتها.
حدود العداء
الجزائر أعلنت أنها ستوفد وزير العدل إلى الرباط لنقل رسالة الدعوة، ولكنها لم تقل من أي طريق سوف يذهب؟ وماذا سيقول الرئيس الجزائري تبون "لأخيه" الملك محمد السادس في تلك الرسالة؟ وهل تتضمن عبارات الترحيب إشادة بـ"الأخوة" بين البلدين الشقيقين؟ وفي حال أعلن العاهل المغربي قبوله الدعوة وقرر المشاركة شخصيا في القمة، فمن أي طريق ستدخل طائرته الأجواء الجزائرية؟ وعندما يستقبله الرئيس تبون في المطار، فهل سيقول له من بين عبارات الترحيب البروتوكولية المألوفة "أهلا في بلدك الثاني الجزائر"؟ وهل سيكون وجهه شاحبا، مكفهرا، أم باسما لاستقبال ضيف جاء بدعوة منه؟ وهل يتم عزف النشيد الوطني المغربي، رغم أنه من الممنوعات الأخرى في الجزائر؟
مصادر دبلوماسية عربية تقول إن الرئيس تبون لم يتلق المشورة المناسبة من مقربيه، عندما اتخذ قرار القطيعة الشاملة مع المغرب في أغسطس 2021، حيث تم إغلاق الأجواء بين البلدين ووقف تدفق الغاز من الأنبوب الذي يصل إلى إسبانيا عبر المغرب، لأن هذا القرار لم يأخذ بعين الاعتبار أن الجزائر، وهي على موعد مع استضافة القمة العربية، ستجد نفسها أمام وضع “بروتوكولي” معقد.
ومن الناحية العملية، فإن هذه التفاصيل تنسف بهدوء إجراءات المقاطعة المتشددة. وحتى ولو تم القبول بتجاوزها مؤقتا، والعودة إليها بعد انتهاء القمة، فإن الأمر سوف يبدو نوعا من سلوك مضطرب، يُرخي عنان انفعالاته، ثم يعود ليستأنفها عندما تنقضي أغراض التهدئة. كما أن الانطباعات التالية سوف تكون كارثية على المستوى العربي. فالقمة التي سوف تنشغل بدعوى تعزيز التضامن والعمل العربي المشترك، كما تنشغل برأب الصدع بين الجزائر والمغرب، سوف تكون كمَنْ يتلقى صفعة على الوجه إذا ما استأنفت الجزائر أجواء القطيعة مع المغرب بعد انقضاء أعمال القمة.
المصادر الدبلوماسية تقول إن الاعتبارات “البروتوكولية” ليست معايير شكلية ولا فارغة، وهي لم توضع لكي يتم التعامل معها مزاجيا أو لأغراض مؤقتة. إنها معايير وضوابط تنطوي على معاني والتزامات سياسية ودبلوماسية وأخلاقية متواصلة..
ويلفت المراقبون الانتباه إلى أن الجزائر أعلنت عن نيتها إرسال وزير العدل إلى الرباط قبل نحو أسبوع. وربما كانت تأمل بأن يرد المغرب برفض استقباله، وهو ما كان سوف يعفيها من مواجهة محنتها الخاصة مع “التفاصيل الصغيرة”. ولكن الخارجية المغربية سارعت إلى الإعلان عن ترحيبها باستقباله، حرصا على إنجاح القمة. وكل هذه إشارات حرصت على إيصال الإيحاء بأن العداء الجزائري للمغرب هو من طرف واحد، وأن المغرب لا يبادله بعداء مماثل ولا يرغب به من الأساس.
المغرب لا يتخذ هذا الموقف لأجل إحراج الجزائر بنفسها، ولكن لأنه على قناعة تامة بأن المصالح المشتركة بين البلدين أكبر من أسباب التنازع بينهما، وأن هذه الأسباب نفسها لا تصمد أمام المنطق العقلاني في العلاقات بين الدول. وبالتأكيد، فإنها لا تصمد في العلاقات بين دولتين جارتين.
معايير مزدوجة
هذه القناعة هي التي دفعت العاهل المغربي إلى توجيه الدعوة إلى الرئيس تبون بمناسبة خطابه في عيد العرش في الثلاثين من يوليو الماضي لرأب الصدع بين البلدين الشقيقين بالقول "نطمح للعمل مع الرئاسة الجزائرية يدا بيد على إقامة علاقات طبيعية بين البلدين".
أحد أبرز المفارقات التي لا تصمد أمام المنطق، حقيقة أن القطيعة الشاملة جاءت على أساس اتهامات، لا دليل ماديا عليها، ولا تمثل منهجا مُثبتا للدبلوماسية المغربية، تقول بدعم المغرب لـ"حركة استقلال منطقة القبائل". ولكن يتوفر ما لا يُحصى من تأكيدات وتورطات عسكرية مباشرة تثبت دعم الجزائر لحركة انفصالية مماثلة تماما، هي جبهة بوليساريو التي يعتبرها المغرب منظمة إرهابية، على غرار ما تعتبر الجزائر "حركة استقلال منطقة القبائل” تنظيما إرهابيا. وهو وضع يجعل الجزائر تبدو كمَنْ يقول “حلال لنا، حرام عليكم".
الإشارة الوحيدة، على أي حال، إلى تلك الحركة التي صدرت عن سفير المغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال في يوليو 2021، إنما كانت تقصد كشف المعايير المزدوجة التي تتبناها الجزائر حيال حركة انفصالية تهدد الوحدة الترابية للمغرب، ولتذكيرها بأنه إذا جاز لها الاستمرار في دعم الأعمال الإرهابية لمنظمة انفصالية، فإنها كمَنْ يحفر حفرة لأخيه ليقع فيها.
ليس من المتوقع للقمة العربية أن تدخل طرفا في هذا السجال، وإنه من الأولى للبلدين أن يخوضا في حوار ثنائي مباشر لتسوية المشكلات بينهما على مستويين؛ الأول، يتعلق باستئناف العلاقات الثنائية وفتح الحدود ورفع إغلاق الأجواء عن الطائرات المغربية واستئناف تصدير الغاز والتبادلات التجارية الأخرى، وذلك بما يتوافق مع "المعايير البروتوكولية" وقيم العلاقات الأخوية. وهو أمر يمكن للقادة العرب المشاركين في القمة أن يقدموا إسهاماتهم فيه. بل إن حوارا على مستوى القمة العربية، يمكن أن يوفر غطاء من روح الأخوة لإزالة التوتر، وتوفير التطمينات، وتأكيد الاحترام والحرص على التعاون والعمل المشترك، وهو ما يتوافق بدوره مع رسالة القمة ودور رئاستها، الذي يفترض أن يتواصل حتى موعد القمة المقبلة.
والثاني، هو التوافق على إيجاد سبيل، بمشاركة الأمم المتحدة لتسوية النزاع في شأن مستقبل الصحراء المغربية، وهو أمر حتى وإن بدا معقدا، والطريق فيه طويلا، إلا أن السير فيه ممكن، لاسيما وأنه سبق للمغرب أن جدد التزامه بتسوية المسألة وفقا للقرار 2602 الذي يدعو إلى حل سياسي "واقعي وعملي ودائم وقائم على التسويات" للنزاع.
زيادة في الطمأنينة، فإن بوريطة نفسه دعا خلال مشاركته في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية في دورته العادية الـ158، التي انعقدت في القاهرة مؤخرا إلى “قراءة موضوعية لواقع العالم العربي، المشحون بشتى الخلافات والنزاعات البينية، والمخططات الخارجية والداخلية، الهادفة إلى التقسيم ودعم نزعات الانفصال وإشعال الصراعات الحدودية والعرقية والطائفية والقبلية، واستنزاف المنطقة وتبديد ثرواتها".
محنة "التفاصيل الصغيرة"، يمكنها على هذا الأساس، أن تشكل مدخلا لحلول كبيرة.
أنقر هنا لقراءة المقال من مصدره.