الــ"أوكوباس".. هكذا يحصل مهاجرون مغاربة على شقق في إسبانيا بـ 1000 أورو فقط !

 الــ"أوكوباس".. هكذا يحصل مهاجرون مغاربة على شقق في إسبانيا بـ 1000 أورو فقط !
آخر ساعة
الأثنين 29 أغسطس 2022 - 10:53

يبدو في ظاهر الأمر أن الحصول على شقة في إسبانيا بمبلغ يقارب 1000 أورو، يزيد أو ينقص، بمثابة نكتة سخيفة لا يضحك منها أحد.

فحتى أبناء البلد من الإسبان يستحيل أن يحصلوا على فرصة كهذه، ولو بأضعاف هذا المبلغ، فما بالك بالمهاجرين المغاربة (غير النظاميين خصوصا)؟

لكن هناك كلمة سرّ لو ذكرت لتفسير ما يحدث فقد تمحو علامات التعجّب التي تتقافز فوق الرؤوس. وكما يقال: إذا عرف السبب بطل العجب.

وكلمة السر في الموضوع هي ما صار يعرف بـ"Okupas" في إسبانيا، وترجمتها المخلّة قليلا هي "الاحتلال".

فما سر "أوكوباس"، وكيف يتم الحصول على هذه الشقق؟ ومن طرف من؟

البداية.. أزمة الرهن العقاري سنة 2008

تاريخيا، يقال إن أول قضية "أوكوبا" حدثت سنة 1984 ببرشلونة، واستمر احتلال المنزل بضع ساعات فقط، بعد تدخل الشرطة. لكن، عندما انتشر الخبر في الصحف، ألهمت العديد من الشباب الإسبان لاحتلال منازل في بلباو ومدريد وفالنسيا.

يعود الأمر إلى ما يقارب 14 عاما، عندما دخلت إسبانيا، ودول أخرى كثيرة حول العالم، في أزمة مالية أدت إلى انهيار في سوق العقار، مما جعل الأبناك تبدأ عملية استرجاع لجميع الممتلكات العقارية التي لم يستطع أصحابها الوفاء بالتزاماتهم المالية.

وفي مثل هذه الأوقات الصعبة، تنشط ما يعرف بـ"الصناديق الانتهازية"، التي تقوم بشراء هذه الأملاك العقارية من الأبناك فيما يشبه "الجملة"، لتعيد بيعها لاحقا بأسعار باهظة، بعد أن تمرّ مرحلة الأزمة.

وعليه، صار الوضع كما يلي في إسبانيا: مئات، وربما آلاف الشقق الخالية، التي تم إفراغها من مالكيها، والتي لم يتمّ بيعها بعد، وبالتالي فهي بمثابة "وقف عقاري" لا يستغله أحد.

وفي الأزمنة الصعبة دائما، هناك أفراد وجماعات يرصدون الفراغات القانونية، ويقومون باستغلالها لصالحهم، لمراكمة الأرباح، كلّ على قدر إمكانياته وسلطاته.

وهكذا، برز بقوة مصطلح "أوكوباس"، وصار أكثر تداولا، (فالمصطلح عمره أكثر من نصف قرن)، وبدأت عمليات احتلال هذه المنازل الفارغة مبدئيا، تزداد أكثر وأكثر من طرف من يطلق عليهم البعض "عصابة"، بينما يعتبرهم آخرون "حركة اجتماعية".

أزمة كورونا.. بداية ثانية

وفقًا لإحصاءات وزارة الداخلية الإسبانية، فقد تضاعف عدد حالات الاحتلال منذ عام 2016 وزادت بنسبة 20٪ بين عامي 2018 و2019.

وفي سنة الجائحة، تم الإعلان عن أكثر من 5000 حالة احتلال في برشلونة فقط، خصوصا بعد أن أصبح الوضع سيّئا جدا بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين الذين لا سكن لديهم، وشرعوا في البحث بشتى الطرق عن مأوى لهم، وبينهم المغاربة طبعا.

تحكي المغربية وفاء لموقع "آخر ساعة" كيف أقدمت على "اقتناء" منزل بـ 1500 أورو في هذه المرحلة الصعبة "أعيش هنا بمدريد رفقة 3 من أطفالي لأنني مطلقة، وكنت أمكث مع بعض أفراد العائلة، لكن عندما بدأت الجائحة أصبح الوضع لا يطاق، فكان لا بد من البحث عن حلّ".

تواصل وفاء (وهو اسم مستعار) الحديث "الحل جاءني من خلال خبر نقله لي فرد من العائلة بأن هناك إمكانية للسكن بثمن زهيد، مع نسبة مغامرة ضئيلة جدا، وذلك من خلال احتلال أحد المنازل غير المسكونة، لفترة في الغالب تمتد لسنتين أو ثلاثة وربما أكثر".

وعن كيفَ تتم العملية تقول وفاء "تواصلت مع أحد الأشخاص الذين يقومون بعمليات الاقتحام، وهي عملية ليست سهلة لأن هناك منازل محصنة جدا، واتفقت معه على مبلغ 1500 أورو، فكانت تلك أولى تجاربي في السكن بأحد منازل (أوكوباس)".

القانون مكبّل

يشرح لنا يوسف.د، وهو جمعوي مقيم بإسبانيا وخبير مالي، أن هناك ثغرة قانونية هي التي تجعل التجرؤ على اقتحام هذه الشقق ممكنا، "فلو أخذت الشرطة العلم باقتحام المنزل خلال 48 ساعة، يمكنها طرد واضعي اليد باعتبار الأمر جريمة اقتحام".

ويستطرد مفسرا "لو تم تجاوز هذا الوقت وقام واضع اليد بتغيير قفل المنزل، تصبح العملية جد معقدة، ولا يمكن إخلاء المنزل إلى بدعوى قضائية تستغرق بين 6 أشهر إلى سنة، خصوصا إذا تعلق الأمر بأسر مكونة من نساء وأطفال".

وعن تفاصيل العملية التي يقوم بها المقتحمون يوضح يوسف في حديثه لموقع "آخر ساعة" "الوصول إلى المعلومة سهل في إسبانيا، وهناك مؤسسات خاصة تقدم كل المعلومات عن الملكيات مقابل 3 أو 5 أورو، بحيث يمكن معرفة مالكها، ومساحتها، وكل التفاصيل المتعلقة به".

"عندما يحصل المقتحم على هذه المعلومات ويتأكد أن الشقة تعود لإحدى الشركات، أو أن صحابها غائب منذ فترة، يقوم باقتحام الشقة ثم يغير القفل، كما يحرص على عدم إتلاف أو سرقة أي ممتلكات كي لا يتورط في جريمة السرقة"، يوضح محدثنا.

بعد هذا يقوم المقتحم إما بالبحث عن "مشتري" للشقة، أو أنه يقوم بالعملية بطلب مسبق من أحد الأشخاص.

شركات خاصة لطرد المحتلين

بما أن طرد المحتلين صعب بحكم القانون، وقد يورط أحيانا أصحابه في انتهاكات يعاقب عليها القانون، فقد لجأ أصحاب الشقق بدورهم إلى مجموعة من الحيل والطرق لليّ عنق القانون واستعادة أملاكهم.

تقول محدّثتنا وفاء "بعد حوالي سنة، كنت مضطرة لمغادرة الشقة الأولى التي حصلت عليها، فقد اتضح أن لها مالكا، وقد قام هذا المالك بقطع الكهرباء عن الشقة، ثمّ إمدادت الماء أيضا. سمعت أن القانون يمنعه من ذلك، لكنني أعرف بالمقابل أنني أيضا أخرق القانون، ولا حجة لدي.. خصوصا أنني مهاجرة بدون أوراق إقامة".

بعد هذا، تضيف وفاء، "أصبحت خبيرة في عالم "الأوكوباس" واستطعت الحصول على منزل جديد بثمن زهيد وهو 500 أورو فقط".

إضافة إلى الحلول الفردية، يكشف لنا الجمعوي يوسف أن هناك الآن شركات خاصة تمتلك بدورها ترسانة من الأشخاص والحيل القانونية، تقوم بالضغط على هؤلاء المحتلين لطردهم بطرق مختلفة من الشقق المحتلة، "أحيانا تنجح وأحيانا تفشل، لكن في المجمل تبقى من الحلول التي أصبحت معتمدة في هذه المعضلة الإنسانية القانونية".

بين القانوني والإنساني

تدافع الكثير من الجمعيات عن المحتلين الذين يعانون من أوضاع صعبة، خصوصا المهاجرين منهم، بحجة أنه لا يمكن رميهم في الشارع، لا سيما إذا تعلق الأمر بنساء وأطفال.

كما تطالب هذه الجمعيات ببدائل معقولة، خصوصا إذا تعلق الأمر بشقق تعود للصناديق الانتهازية، فالإنسان قبل الربح.

لكن بالمقابل، يطالب أصحاب الشقق، سواء الأفراد أو المؤسسات، بقانون أشد صرامة في هذا الباب، لوضع حد لهذا التسيب، وكذا لاستغلال العصابات التي صارت أكثر تنظيما واحترافا مع ازدياد الحاجة لهذه الشقق.