في سياق الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، تتجلى منجزات المغرب في قطاع الماء كأحد أوجه الحكامة الرشيدة التي أرساها الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش. فقد أصبح تحلية مياه البحر خيارًا استراتيجيًا لتأمين الأمن المائي ومواكبة النمو الديمغرافي والتوسع العمراني وتلبية حاجيات قطاعات حيوية كالفلاحة والسياحة والصناعة، في ظل التغيرات المناخية وشح الموارد التقليدية.
16 محطة
بلغ عدد محطات تحلية مياه البحر المشغّلة حاليًا في المغرب 16 محطة، في حين توجد خمس محطات أخرى قيد الإنجاز، إلى جانب برمجة 13 مشروعًا جديدًا، ما يترجم الرؤية الطموحة التي تنهجها المملكة لتسريع استراتيجيتها الوطنية في هذا المجال الحيوي.
ويرى متخصصون أن تحلية مياه البحر أضحت اليوم "حلًا لا محيد عنه" لتأمين تزويد مستدام بالماء الشروب، ودعم قطاعات حيوية كالفلاحة والسياحة والصناعة، مع تقليص الضغط على الموارد التقليدية وحماية الفرشات المائية.
كما يساهم هذا القطاع في تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وخلق منظومة صناعية متكاملة ترتكز على إدماج محلي أكبر عبر مختلف مراحل سلسلة الإنتاج.
وقد ساعدت مشاريع التحلية، في بدايتها، على تأمين حاجيات الأقاليم الجنوبية من الماء الصالح للشرب، نظرًا لندرة الموارد المائية فيها، قبل أن تتوسع لتشمل مناطق أخرى مع ازدياد تقلبات الأمطار بفعل التغير المناخي.
وتمتلك المحطات الحالية قدرة إنتاج إجمالية تصل إلى 277 مليون متر مكعب سنويًا، في حين تبلغ القدرة الإنتاجية للمشاريع الخمسة التي يتم إنجازها حاليًا نحو 430 مليون متر مكعب سنويًا.
وتشمل هذه المشاريع محطة ضخمة في جهة الدار البيضاء – سطات، من المنتظر أن تكون الأكبر من نوعها على مستوى القارة الإفريقية، بطاقة إنتاج سنوية تصل إلى 300 مليون متر مكعب، منها 250 مليون مخصصة للماء الشروب و50 مليون لسقي الأراضي الفلاحية.
وقد تم إطلاق الأشغال بها رسميًا يوم 10 يونيو 2024، خلال حفل ترأسه ولي العهد الأمير مولاي الحسن.
برنامج وطني
كما يشمل البرنامج الوطني المقبل إنشاء 13 محطة جديدة موزعة على مختلف ربوع المملكة، من بينها مدن الرباط، طنجة، الصويرة، طانطان، كلميم، بوجدور، إلى جانب جهتي سوس ماسة والشرق.
وسيتم تشغيل جميع هذه المحطات بالطاقات المتجددة في إطار رؤية بيئية تروم تقليص البصمة الكربونية وضمان الاستدامة المائية.
وتجري حاليًا دراسات تخص هذه المشاريع، حيث تم الانتهاء من تلك المتعلقة بمحطات الصويرة والجهة الشرقية وكلميم.
ويؤكد يونس العبدي أن المغرب يعتمد في هذا الورش الاستراتيجي على أحدث التكنولوجيات، إلى جانب نموذج حكامة قائم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بما يسمح بتعبئة الاستثمارات والخبرات وضمان الجدوى الاقتصادية والتقنية لهذه المشاريع.
وتكشف المعطيات الرسمية أن الطاقة الإنتاجية لتحلية المياه في المغرب ستبلغ أكثر من مليار متر مكعب سنويًا بحلول سنة 2027، قبل أن ترتفع إلى 1.6 مليار في 2028، و1.7 مليار في أفق 2030، لتصل إلى 2.3 مليار متر مكعب سنويًا في أفق 2040.
استثمار جديد بـ250 مليون أورو
أعلنت مجموعة "كوكس" الإسبانية، قبل أيام قليلة، عن استثمار بقيمة 250 مليون يورو لتوسيع محطة تحلية المياه بأكادير، مما سيرفع طاقتها إلى 400 ألف متر مكعب يوميًا بحلول 2027.
هذا المشروع سيمكن من تزويد نحو مليوني شخص بالماء الصالح للشرب، إضافة إلى سقي 13,600 هكتار من الأراضي الزراعية في منطقة تعاني من إجهاد مائي حاد.
وتُعد محطة أكادير نموذجًا دوليًا ناجحًا للشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تشترك فيها "كوكس" مع المكتب الوطني للكهرباء والماء، ووزارة الفلاحة المغربية.
وقد حازت هذه الشراكة على جائزة أفضل نموذج عالمي في مجال التحلية من الجمعية الدولية للتحلية.
كما تعتزم "كوكس" تزويد المحطة بمنشأة ريحية بطاقة تتجاوز 150 ميغاواط، ضمن نموذج "الطاقة تتبع الماء"، لزيادة استدامة المشروع. من المرتقب تشغيل توسعة المحطة خلال سنتي 2026 و2027، على أن يبدأ تشغيل الحقل الريحي في 2027.
ويأتي هذا التوسع بعد تحالف استراتيجي مع شركة AMEA Power المتخصصة في الطاقات المتجددة، بهدف توسيع عمليات "كوكس" في إفريقيا والشرق الأوسط والوصول إلى طاقة إنتاجية يومية تبلغ مليوني متر مكعب من المياه.
بهذه الأرقام، يواصل المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس تموقعه كدولة رائدة في مجال الأمن المائي وتدبير الموارد، بإرادة واضحة لتأمين المستقبل المائي للأجيال القادمة.
