ما زال تفعيل تعديل مقتضيات المادة 139 من المدونة العامة للضرائب، والتي تُلزم الموثقين والعدول بعدم تحرير أي عقد لتفويت عقار أو أصل تجاري إلا بعد الإدلاء بشهادة الإبراء الضريبي، يثير موجة جدل واسعة في الأوساط المهنية، وسط تحذيرات من خبراء ومتخصصين بشأن التداعيات السلبية لهذا التعديل على المعاملات العقارية والاستثمار، خاصة في صفوف مغاربة الخارج.
ويؤكد مهنيون أن الإجراءات الجديدة، فرضت مسؤولية ثقيلة على الموثقين، وجعلت من شهادة الإبراء شرطًا إلزاميًا لتسجيل العقود لدى المحافظة العقارية، مما تسبب في اختناقات إدارية وتأخر إنجاز المعاملات.
من الخزينة إلى المديرية
ويرى خبراء أن ما يزيد الطين بلّة هو غياب مرسوم تطبيقي واضح يشرح نطاق الشهادة، ويفصل بين الضرائب المتعلقة مباشرة بالعقار وتلك التي تخص ديونًا غير مرتبطة به، مثل الرسوم المهنية أو الضرائب المفروضة على أنشطة تجارية موازية، وهو ما أدى إلى توسيع مفرط في تأويل النص القانوني.
كما لفت متخصصون إلى أن التحول من الخزينة العامة إلى المديرية العامة للضرائب كجهة مختصة بتحصيل ضريبة السكن، تم دون فترة انتقالية كافية أو توضيح للمعنيين، مما خلق ارتباكًا كبيرًا لدى المواطنين الذين وجدوا أنفسهم أمام أسئلة عالقة لا جوب لها.
وبحسب تقارير مهنية، فإن هذه الإشكالات أدت إلى تراجع واضح في وتيرة المعاملات العقارية خلال الصيف، خاصة في صفوف مغاربة المهجر الذين اعتادوا الاستثمار في العقار خلال فترة عطلهم السنوية، حيث تحولت شهور الذروة إلى طوابير انتظار طويلة أمام الإدارات، وملفات متراكمة في منصات رقمية غير مفعّلة بشكل كامل.
من جهتهم، شدد خبراء على أن الإصلاح الضريبي في حد ذاته خطوة ضرورية ومحمودة، لكنه فقد الكثير من زخمه بسبب ضعف التواصل المؤسسي، وعدم استعداد الإدارات المعنية للتطبيق الرقمي الكامل.
محاولة لتدارك الوضع
وفي خطوة لتدارك الوضع، وجّه الخازن العام للمملكة رسالة رسمية إلى المجلس الوطني للموثقين، أكد فيها التزام مصالح الخزينة بتسريع وتيرة معالجة الطلبات، خاصة بعد دخول القانون 25.14 حيز التنفيذ في يونيو الماضي، مبرزًا أن منصة إلكترونية جديدة ستُعتمد لتلقي طلبات الحصول على الشهادة، وتقديمها في أجل لا يتعدى 48 ساعة، شريطة توفر الأداء وتوضيح البيانات عبر بطاقة معلومات رقمية.
وتتضمن هذه البطاقة تفاصيل حول الضرائب والرسوم المستحقة عن العقار المعني، ويُنتظر أن تُرسل بصيغة PDF لتيسير الإجراءات.
كما جرى الاتفاق على إحداث قناة رقمية موحّدة بين مديرية الضرائب والمحافظة العقارية والخزينة العامة لضمان الربط البيني وسلاسة تبادل المعطيات.
غير أن مهنيين يرون أن هذه الإجراءات تظل غير كافية، ما لم تُرفق بإرادة سياسية لتبسيط النصوص القانونية، وتوضيح المسؤوليات، وتحديد طبيعة الضرائب المعنية بالإبراء بشكل لا يحتمل التأويل.
كما دعوا إلى ضرورة مراعاة خصوصية المغاربة المقيمين بالخارج، الذين يشكلون رافعة اقتصادية مهمة، وينبغي تشجيعهم لا تعقيد مسارهم الاستثماري.