خريجو السجون بالمغرب.. مشروع مواطنين صالحين أم قنابل موقوتة؟

 خريجو السجون بالمغرب.. مشروع مواطنين صالحين أم قنابل موقوتة؟
آخر ساعة
الخميس 24 مارس 2022 - 6:41

هل يمكن أن تتحول السجون إلى مراكز لإعادة التأهيل فعلا في المغرب؟ الواقع يقول أن هذا يحدث نادرا، وأن حالات العود كثيرة، فخريجو السجون، وإن لم يرتكبوا جرائم جديدة، إلى أنهم يواصلون تهديد المجتمع، سرّا أو علنا، بأنهم كانوا في السجن يوما.

طبعا، هناك حالات لتجارب ناجحة استفادت من المصاحبة وإعادة الإدماج، وتغيرت حياة أصحابها بشكل كامل، لكنها تبقى معدودة.

وفي كلتا الحالتين، لا يمكن إلقاء اللوم على جهة بعينها، لأن الموضوع متداخل جدا، بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي ومؤسساتي أيضا.

فإلى أي مدى تمكنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من تحويل هذه المؤسسات إلى مراكز تأهيل حقيقية؟ وما هي الإكراهات والصعوبات التي تقف حجر عثرة في طريق تحقيق ذلك؟

مهمة مزدوجة

تعترف المندوبية في تصورها المقدّم ضمن النموذج التنموي أن هناك فعلا مجموعة من الإشكالات والإكراهات، التي تعيق جهود إصلاح نظام السجون على عدة مستويات: الجنائي والمالي والتنظيمي والاجتماعي.

وفي هذا الصدد، تعتبر المندوبية أن  المهمة المزدوجة، الأمنية والاجتماعية، التي تضطلع بها السجون، تستوجب السهر على تكريس احترام حقوق وكرامة السجناء، باعتبارهم أشخاصا كاملي المواطنة يتمتعون بالحقوق التي يكفلها لهم القانون، بما في ذلك الحق في التنمية، مقرّة بضرورة مباشرة المزيد من الإصلاحات التي تروم تحقيق رؤية تتماشى مع نموذج التنمية الجديد، الذي ينشده المغرب، ويتجاوز قصور المقاربة الإصلاحية المعتمدة حاليا.

المهمة المزودجة التي تضطلع بها المندوبية تبقى معقدة في كل الأحوال، بين ما هو أمني زجري، وبين ما هو إصلاحي، ما يقتضي التعامل بحذر شديد مع النزلاء، على اختلاف مستوياتهم، من أجل تمييز هذا عن ذاك، وعدم الخلط بين عدة فئات.

الاكتظاظ.. عقبة كؤود

المطلع على حال السجون المغربية يعرف أن معظما تعاني من الاكتظاظ، بما يخلفه من نتائج سيئة على النزلاء وعلى الحراس والمشرفين.

فالاكتظاظ يعني قلة العناية على جميع المستويات، كما يعني في الآن ذاته زيادة الضغط على العاملين بالسجون، وبالتالي صعوبة مواكبة عملية الإصلاح، إن تيسّرت.

وقد سجلت المندوبية في تصورّها سالف الذكر، أن عدد السجناء ارتفع من 74.039 إلى 86.384 سجينا بين سنتي 2015 و2019 ، أي بمعدل زيادة 16.67٪. كما تم تسجيل معدل اعتقال بنسبة 0.23٪ ، خلال سنة 2019، وهي نسبة لا تزال من بين أعلى المعدلات في العالم.

اكتظاظ تعزوه المندوبية نفسها إلى اللجوء المفرط للاعتقال الاحتياطي، "والذي هو استثناء يكاد أن يكون قاعدة عامة، وكذا إلى كثرة الأحكام بالمدد القصيرة، "وهو توجه ينعكس سلبا على عملية إعادة تأهيل السجناء لإعادة إدماجهم الاجتماعي، فغالبًا ما تتكون فئة المحكومين بهذه المدد من ذوي السوابق والمتابعين من أجل جرائم صغرى وهي فئة لا يكون للسجن أي تأثير ردعي عليها. وبالتالي، يبقى من الصعب إعداد برامج تأهيلي أو إصلاحي خاص بها".

لا استقلالية.. لا سهولة في التنفيذ

في تصورّها المقدّم خلال صياغة النموذج التنموي، تتأسف المندوبية لكون القطاع يعيش استقلالية غير كاملة، معتبرة أن التبعية المباشرة للمندوبية لرئاسة الحكومة منذ 2008 واستقلالها عن وزارة العدل، مكن من تحديث القطاع.

 لكن، مع ذلك، فإن هذه الصفة شبه الحكومية، لا تمنحها قدرا كافيا من الصلاحيات لجعل القطاعات المعنية بالشأن السجني تلتزم ببرامجها الإصلاحية تجاه الساكنة السجنية، والتي تظل مسؤولية مشتركة بين الجميع.

ويتجلى ذلك بوضوح في ضعف تفاعل القطاعات التي تتشكل منها اللجنة المشتركة بين الوزارات، كما تبقى استقلالية المندوبية العامة أمرا نسبيا، ذلك أنها تتحمل مسؤولية تنفيذ مقررات الاعتقال التي تصدرها السلطات القضائية بصرف النظر عن واقع المؤسسات السجنية.

ضعف الموارد.. إكراه آخر

بلغ المعدل الوطني، خلال سنة 2019، نسبة حارس واحد لكل 14 سجينا، لتبقى  نسبة بعيدة عن المعايير الدولية المتعارف عليها وهي حارس لكل 3 سجناء.

ينضاف إلى هذا نُدرة تحفيز موظفي السجون إذا نظرنا إلى عدم التلاؤم بين التعويضات الممنوحة لهم وطبيعة المهام الموكلة إليهم وكذا حجم المخاطر التي يتعرضون لها.

جهود مبذولة.. رغم كل شيء

تلعب مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء دورا هاما في خلق مشاريع رائدة قصد تمكين نزلاء المؤسسات السجنية وكذا مراكز حماية الطفولة من تمضية عقوباتهم في ظل ظروف تحافظ على احترامهم لذواتهم وتضاعف إحساسهم بالمسؤولية تجاه أنفسهم وأسرهم والمجتمع وتصون كرامتهم.

ويشمل عمل المؤسسة، المحدثة سنة 2002، إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للسجناء بمعية مختلف الشركاء والقطاعات المعنية، وكذا الرعاية الصحية، خصوصا للمصابين بأمراض مزمنة، إضافة إلى جهود تشمل مجالات التنشيط السوسيو ثقافي والرياضي، ومحاربة الأمية وتوسيع دائرة التكوين الأساسي لفائدة السجناء وإحداث ورشات للاستئناس في مجال الصناعة التقليدية والمهن الصغيرة وبناء وتهيئة سلسلة من مراكز التكوين المهني في عدة مؤسسات سجنية.

وتعي المؤسسة خطورة التخلي عن المفرج عنه، لذا فقد بادرت إلى تأسيس "مراكز الرعاية اللاحقة"، التي أنيطت بها مهمة مساعدة المفرج عنهم عن طريق المصاحبة الاجتماعية والتتبع من أجل تيسير إعادة إدماجهم في المجتمع كأشخاص أسوياء شأنهم في ذلك شأن باقي أفراد المجتمع.

.