مرة أخرى، يجد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، نفسه في قلب الجدل السياسي، ليس بسبب موقف داخلي أو رؤية اقتصادية، بل بسبب انحيازه الصريح وتعاطفه العلني مع النظام الإيراني في وقت تعيش فيه المنطقة توترًا بالغ الخطورة. موقف يعكس، وفق منتقدي الرجل خصوصا، هوسًا مزمناً بالاصطفاف مع طرف ضد آخر، حتى ولو على حساب التوازن، المصلحة الوطنية، أو حتى القيم التي يدّعي الدفاع عنها.
ما يثير الاستغراب في مواقف بنكيران ليس فقط دفاعه عن طهران، بل محاولته إلزام الجميع بهذا الاصطفاف الأيديولوجي، إذ يعتبر أن من يخالفه الرأي قد "خان القضية"، أو "يخدم أجندة إسرائيلية"، وفق تصنيفاته الجاهزة التي لا تقبل بالنقد ولا بالاختلاف.
لكن، هل الاصطفاف مع إيران هو فعل بريء نابع من الحرص على فلسطين؟
السؤال مشروع، خاصة عندما نُذكّر بنكيران بأن النظام الإيراني نفسه تورط في جرائم بشعة بحق الشعب السوري، حيث ساند نظام الأسد، وساهم في قتل مئات الآلاف من الأبرياء، بمشاركة ميليشيات مثل "فيلق القدس" و"حزب الله". بل إن بعض كبار قادة الحرس الثوري الإيراني لقوا حتفهم في سوريا، بينما كانوا يمارسون انتشاءهم بعمليات القتل والتطهير الطائفي.
فهل دماء السوريين ليست لأناسٍ "أبرياء" بنظر بنكيران؟ أم أن المعيار الإنساني عنده يخضع لمزاج الاصطفاف العقائدي والسياسي؟
ثم، إذا كان التخوف من التوسّع الصهيوني مبررًا في نظره، فهل يعلم بنكيران أن زعماء طهران أعلنوا مرارًا مشاريع توسعية علنية، بل وذهب بعضهم إلى المطالبة بـ"تطهير" مناطق سنية في الخليج، مثل مكة والمدينة، في تصريحات موثقة بالصوت والصورة؟
إن من يفترض به أن يعبّر عن موقف وطني متّزن، يقدّم مصلحة المغرب أولًا، لا يجب أن يتورط في استيراد صراعات إقليمية معقدة وتحويلها إلى قضايا داخلية ملزمة للجميع.
فالمغرب ليس في حرب مع أي طرف، والمغاربة لم يختاروا الاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك، بل اختاروا الاعتدال والتوازن، والتضامن مع القضايا العادلة بمعايير إنسانية لا طائفية.
ما يحتاجه المواطن اليوم ليس زعيماً يوزع صكوك الوطنية أو الخيانة حسب مواقفه الشخصية، بل سياسيًا يشتغل، ولو من موقع معارضة، على الأولويات الوطنية: التعليم، الصحة، الأسعار، والبطالة.
إن الوطنية تعني، ببساطة، أن تملك الجرأة على رفض القتل والظلم أيًا كان مصدره، وأن لا تدافع عن نظام قمعي فقط لأنه "يبدو" معاديًا لعدوّك.. فالوقوف مع المظلوم لا يمر عبر التبرير لظالم آخر.