هل يخاطب الخطاب السياسي المغربي المواطن فعلًا؟

 هل يخاطب الخطاب السياسي المغربي المواطن فعلًا؟
آخر ساعة
الأربعاء 14 مايو 2025 - 22:03

لا يعرف المشهد السياسي المغربي تنوعا ملحوظا وواضحا في أنماط الخطاب السياسي رغم التيارات السياسية المتعددة، إذ يكاد ينقسم بين لغة الخشب من جهة والمديح المبالغ فيه أو الشعبوية الفجة السافرة من جهة أخرى، مما يجعل التساؤل حول جودة هذا الخطاب وقدرته على الاستجابة الحقيقية لانشغالات المواطنين أمراً مشروعاً جدا.

ولعلّ "لغة الخشب" إحدى السمات الأكثر حضورًا في الخطاب السياسي المغربي، والتي يتم فيها اللجوء إلى عبارات فضفاضة ومصطلحات تقنية أو قانونية غامضة تخفي أكثر مما توضح.

ومع اقتراب فترة الانتخابات، يبرز هذا النوع من الخطاب، بشكل جليّ، من طرف البرلمانيين والمسؤولين الحكوميين أثناء حديثهم في جلسات البرلمان أو في الندوات الصحفية,

فمن لغة وتعابير لا تلزمهم بشيء ولا تمكن المواطن من محاسبتهم، وتحافظ على الشكل المؤسساتي للخطاب، لكنها تفرغه من مضمونه، إلى لغة التبجيل والتفخيم للإنجازات والأشخاص، تخلف وراءها ردود فعل ساخرة وغاضبة أحيانا.

ويكفي أن نستعيد خطاب البرلمانية والفنانة فاطمة خير، مؤخرا، الذي يشبه فقاعة ضخمة مليئة بعبارات المديح الشبيهة بنكتة لا يضحك منها أحد.

وغير بعيد عن دائرة حزب الحمامة، يبرز خطاب لحسن السعدي، كاتب الدولة لدى وزيرة السياحة والصناعة التقليدية، والذي رفع عقيرته، في خطاب حماسي، مؤكدا أن الحكومة الحالية تهتم بالمواطن "من المهد إلى الشيخوخة".

والخطابان معاً خلفا وراءهما موجة سخرية وغضب، لتناقضهما تماماً مع ما يعيش المواطن في يومه فعلاً.

وعلى الطرف الآخر، يمارس سياسيون آخرون خطابًا شعبويا فجا، يعتمد على الإثارة وتسجيل "النقط" ضد الخصم، بدل تقديم الحلول.

ولعل أبرز مثال على هذا الخطاب هو عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ورئيس الحكومة السابق. خطاباته المباشرة والعاطفية قد تُشبع مشاعر جمهور معين، لكنها كثيرا ما تنزلق نحو تبسيط مخلّ للواقع، أو مهاجمة الخصوم بأسلوب شعبوي لا يليق بمقام رجل دولة سابق، ولعل المصطلحات المستعملة من طرف الرجل مؤخرا خير دليل على ذلك.

بنكيران كثيرا ما استخدم لغة الشارع لخلق تفاعل جماهيري، لكن خطابه ظل يهيمن عليه الطابع الانفعالي، ويفتقر إلى العمق البرنامجي، مما جعله يحقق "شعبية لحظية" دون أثر ملموس على مستوى السياسات العمومية طويلة الأمد.

المشكلة الأساسية في كل هذه الأنماط الخطابية أنها لا تخاطب المواطن الحقيقي، ولا تخاطب انتظاراته الواقعية.

فالمواطن لا يطلب لغة منمقة تخفي الفشل، ولا مدائح تبجّل من لا يُحاسب، ولا شعبوية تُلهيه عن جوهر المشكلات، بل ينتظر خطابًا صادقًا، مسؤولًا، قادرًا على الربط بين التشخيص الواقعي والحلول الممكنة.