في مشهدٍ يعكس انشغال الملك محمد السادس بمقومات الأمن الغذائي للمغاربة، بادر العاهل المغربي، في مستهل أشغال المجلس الوزاري، يوم أمس، إلى طرح أسئلة دقيقة ومباشرة على وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ووزير التجهيز والماء، تتعلق بتأثير التساقطات المطرية الأخيرة على الموسم الفلاحي، وعلى الوضع الراهن للماشية، ثم على الوضعية المائية في المملكة.
ويبدو جليا أن هذا التوجيه الملكي لم يكن مجرد متابعة، بل هو تجسيد واضح على ضمان استدامة الموارد الحيوية للمغرب، في ظل تحديات عالمية، مناخية واقتصادية متزايدة، وفي عالم غدت فيه كلمة السر هي "السيادة الغذائية".
وفيما يتعلق بالقطاع الفلاحي، جاء رد وزير الفلاحة ليؤكد أن التساقطات الأخيرة كان لها أثر إيجابي وملموس على مختلف الزراعات والأشجار المثمرة، وعلى الغطاء النباتي الذي يشكل مصدراً أساسياً لغذاء الماشية، وبهذا الانتعاش الطبيعي، تلوح بوادر موسم فلاحي واعد، بعد سنوات من الجفاف والضغوط.
لكن الرؤية الملكية لم تتوقف عند حدود التقييم، بل تجاوزتها إلى رسم معالم المستقبل، حيث وجه تعليماته لضمان نجاح عملية إعادة تكوين القطيع الوطني، ليس فقط من حيث العدد، بل بجودة عالية ومهنية دقيقة، وباعتماد معايير موضوعية تراعي العدالة والشفافية والاستدامة خصوصا.
كما شدد على ضرورة إشراك السلطات المحلية في تأطير هذه العملية، لضمان نجاعة الدعم ووصوله إلى مستحقيه.
أما بخصوص الوضعية المائية، فقد استفسر الملك وزيرَ التجهيز والماء حول نسب ملء السدود، وهي مسألة حيوية ترتبط مباشرة بالحياة اليومية للمغاربة.
الوزير أفاد، في معرض جوابه، أن نسبة ملء السدود بلغت 40.3%، وهو ما يعادل تعبئة 6.7 مليار متر مكعب من المياه، تكفي لتغطية سنة ونصف من استهلاك الماء الشروب.
هذا الرقم، وإن كان مطمئناً نسبياً، إلا أنه يعكس أيضاً مدى الحاجة إلى مواصلة الجهود لتدبير الموارد المائية بشكل عقلاني، خاصة في ظل تقلبات مناخية متزايدة الوتيرة.
من الواضح جداً أن توجيهات الملك محمد السادس في هذا السياق تعكس مرة أخرى روح القيادة الاستباقية، والحرص الدائم على ملامسة هموم المواطن المغربي في عمقها.
هي رؤية ملكية تؤمن بأن الأمن الفلاحي والمائي ليسا مجرد قطاعين حكوميين، بل هما ركيزتان أساسيتان لاستقرار الوطن وكرامة المواطن.