من المرتقب أن يشرع المغرب في تطبيق قانون العقوبات البديلة، ابتداءً من شهر غشت القادم، والذي اعتبره محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، "محطة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب".
وتُعد العقوبات البديلة إجراءات تُطبَّق بدلاً من السجن، وتشمل العمل لصالح المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، وتقييد بعض الحقوق، بالإضافة إلى فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، إلى جانب الغرامات.
من جهتها، تعتبر الجدوى الاقتصادية للعقوبات البديلة في السياسة الجنائية من أبرز دوافع تبنيها في العديد من الدول، بما فيها المغرب، خصوصاً في ظل التحديات المرتبطة بتمويل السجون وتوسيع البنية العقابية.
تقليل تكاليف السجون أو الحاجة إلى توسيعها
من المعلوم أن كلفة إيواء سجين واحد داخل مؤسسة سجنية تبقى مرتفعة جدا، حيث تشمل الغذاء، والأمن، والرعاية الصحية، إضافة إلى البنية التحتية.
ويكفي أن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج خصصت ميزانية بلغت 753.5 مليون درهم لتغطية تكاليف تغذية السجناء، فقط، في إطار مشروع ميزانية 2025، إضافة إلى 40 مليون درهم موجهة لتأمين الأدوية، و28.5 مليون درهم لتوفير مواد الطاقة المستخدمة في التدفئة والطبخ، و16 مليون درهم لشراء مواد النظافة والتطهير.
بالمقابل، يرى الخبراء الاقتصاديون أن كلفة وضع سوار إلكتروني، مثلاً، أو تكليف شخص بالعمل لفائدة المجتمع تكلف أقل بكثير، بل قد تكون مجزية أحياناً للفرد، أو للجماعة.
وفي نفس السياق، تسمح العقوبات البديلة للمحكوم بمواصلة عمله أو دراسته، وبالتالي الاستمرار في الإنتاج والمساهمة في الاقتصاد، وهو ما يُجنّب الدولة التكفل بإعالة أسرته خلال فترة العقوبة، مما يخفف العبء الاجتماعي.
كما أن العقوبات البديلة تقلل من معدلات الاعتقال، وبالتالي تحد من الحاجة إلى بناء سجون جديدة أو توسيع القائم منها، حيث قاربت تكلفة بناء سجون جديدة وإعادة تأهيل أخرى، في ميزانية 2025، 200 مليون درهم.
الغرامات المالية
من المؤكد أن "شراء أيام السجن" يبقى واحداً من أكثر العقوبات البديلة وضوحاً من حيث الجدوى الاقتصادية، لأنه يذهب مباشرة إلى مالية الدولة.
وسبق لوزير العدل عبد اللطيف وهبي أن أشار، في وقت سابق، إلى أن العقوبة المالية قادرة على التخفيف من الأعباء المالية للدولة، كما يمكن الاستفادة من عائداتها لفائدة برامج العدالة وخدمة المرتفقين.
تخفيف الضغط على الموارد البشرية
يسهم تقليل عدد النزلاء، بشكل مباشر، في تخفيف الضغط على موظفي السجون، الأطباء، الحراس، الإداريين، مما يحسن جودة التسيير ويرفع من فعاليته.
كما أن العقوبات البديلة مثل "العمل لفائدة المجتمع" تفتح المجال للتعاون مع المؤسسات الرسمية أو الجمعيات، وشركات القطاع الخاص، ما يعزز مقاربة التنمية المحلية ويخلق فرصًا اقتصادية غير مباشرة.
ويخلص الخبراء إلى أن العقوبات البديلة ليست فقط أداة إصلاحية واجتماعية، بل أيضاً خيار اقتصادي رشيد، يساهم في ترشيد الإنفاق العمومي، وتحقيق عدالة جنائية أكثر نجاعة واستدامة.