غرقت كل من إسبانيا والبرتغال في ظلام شبه تام، أمس الاثنين، نتيجة لانهيار واسع في الشبكة الكهربائية ( BlackOut Total) ما أدى إلى انقطاع التيار عن ملايين المنازل والمرافق الحيوية، وتعطّل حركة القطارات، وإرباك كبير في وسائل الاتصال.
وتعيد هذه الواقعة الأخيرة إلى الواجهة الحديثَ عن ما يُعرف بـ"الانهيار الكامل للشبكة الكهربائية"، وهو أحد أكثر الكوارث التقنية تعقيدًا وتأثيرًا في حياة الدول.
ماذا نعني بالـTotal BlackOut
الانهيار الكامل للشبكة أو الــTotal BlackOut هو حالة تفقد فيها الدولة بشكل مفاجئ وكامل القدرة على إيصال الكهرباء عبر شبكة النقل والتوزيع، مما يؤدي إلى انقطاع التيار عن مناطق شاسعة، وقد يشمل ذلك البلد بأكمله. ه
هذا الانهيار لا يشبه انقطاعات الكهرباء المحلية أو المؤقتة، بل هو انهيار هيكلي في النظام الكهربائي الوطني برمّته، وهو ما حدث بالأمس في كل من البرتغال وإسبانيا.
أسباب مختلفة
يحدث الانهيار في الشبكة بسبب عوامل مختلفة، قد تتداخل، أحيانا، فيما بينها، أبرزها اختلال التوازن بين كمية الطاقة المنتَجة وتلك المطلوبة للاستهلاك، وهو ما يحدث غالبًا خلال فترات الذروة أو عند حدوث أعطال في محطات التوليد، حيث يؤدي فقدان السيطرة على التردد الكهربائي إلى إغلاق تلقائي لسلسلة من المولدات.
كما أن الأعطال الفنية مثل انفجار المحولات أو تضرر خطوط الجهد العالي تلعب دورًا خطيرًا، إذ يمكن أن تؤدي إلى تأثير تسلسلي يعمّ الشبكة بأكملها.
ومن التهديدات الحديثة أيضًا، الهجمات السيبرانية التي تستهدف أنظمة التحكم المركزية، حيث باتت أنظمة الكهرباء، في السنوات الأخيرة، هدفًا رئيسيًا في الحروب الإلكترونية، كما حدث في أوكرانيا عام 2015 حين تسببت هجمة إلكترونية في إطفاء مئات الآلاف من الأضواء.
إلى جانب ذلك، قد تساهم الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والحرائق في ضرب البنية التحتية للشبكة، تمامًا كما قد تؤدي أخطاء بشرية أو فشل في التنسيق بين مزودي الخدمة إلى انهيارات واسعة غير متوقعة.
نتائج كارثية
نتائج هذا النوع من الانهيار كارثية، حيث تتوقف المرافق الحيوية مثل المستشفيات، المطارات، محطات الضخ، وأنظمة الاتصالات، كليًا عن العمل، وتُشلّ القطاعات الاقتصادية، ويبدأ العد التنازلي للخسائر المالية بالدقيقة.
كما أن الآثار لا تقتصر على الاقتصاد، بل تمتد لتشمل المجتمع بأكمله، حيث تسود الفوضى، وتنتشر الشائعات، وتتزايد الحوادث نتيجة غياب الإضاءة والتوجيه.
الاستعداد المسبق
للتعامل مع مثل هذا السيناريو، يوصي الخبراء بضرورة توفر الدول على خطة شاملة، تبدأ بالاستثمار في بنى تحتية ذكية تعتمد على العدادات الحديثة ونظم الإنذار المبكر، إلى جانب تنويع مصادر الطاقة بحيث لا تعتمد الدولة على نوع واحد أو منطقة جغرافية واحدة.
ووفق الخبراء، فإن وجود شبكات مصغّرة مستقلة قادرة على العمل دون الشبكة الكبرى يُعد من أساليب الحماية الحديثة، إذ تسمح بتوفير الكهرباء لمرافق حيوية حتى أثناء الانهيار.
خطر محدق وأمثلة سابقة
التجارب الدولية تؤكد أن هذا الخطر ليس نظريًا، فمن الهند إلى فنزويلا إلى الولايات المتحدة، عرفت السنوات الماضية حوادث انهيارات تامة سببت فوضى اقتصادية واجتماعية، وبات من الواضح أن حماية الشبكة الكهربائية لم تعد فقط مسألة تقنية، بل قضية أمن وطني وسيادي بامتياز.
وشهد العالم في العقود الأخيرة عدة حوادث لانهيارات كاملة للشبكات الكهربائية، خلفت آثارًا عميقة وأظهرت هشاشة هذه المنظومات حتى في دول كبرى.
ففي الهند، مثلا، وقعت واحدة من أكبر حالات الانهيار في يوليوز 2012، عندما تعطلت شبكتان كهربائيتان تخدمان شمال البلاد وشرقها، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن أكثر من 620 مليون شخص، حيث كان السبب الرئيسي هو ارتفاع الطلب وتجاوز الأحمال المسموح بها من طرف بعض الولايات، في ظل ضعف البنية التحتية.
أما في فنزويلا، فقد شهدت البلاد في مارس 2019 انهيارًا شاملًا استمر لعدة أيام، عزته الحكومة إلى "هجمات إلكترونية"، في حين رجح خبراء أن السبب يعود إلى الإهمال والصيانة المتدهورة لمنظومة الطاقة.
وفي الولايات المتحدة، وقع انقطاع هائل في غشت من سنة 2003، بدأ في ولاية أوهايو نتيجة خلل في برنامج مراقبة تابع لشركة كهرباء محلية، وتسبب في انقطاع التيار عن أكثر من 50 مليون شخص في شمال شرق البلاد وكندا، دام لساعات طويلة وخلف خسائر بمليارات الدولارات.
أما في أوكرانيا، فكان الانهيار الذي وقع في ديسمبر 2015 نتيجة هجوم سيبراني منسق على أنظمة التحكم، وأدى إلى انقطاع الكهرباء عن 230 ألف مواطن، في أول حادث موثق من نوعه يُظهر استخدام الهجمات الإلكترونية لإحداث شلل في منظومة طاقة وطنية.
هذه الحوادث مجتمعة تؤكد أن الانهيار الكامل للشبكة لم يعد مجرد سيناريو افتراضي، بل تهديد واقعي يتطلب استعدادًا متقدمًا وتخطيطًا متعدد المستويات.