يمثل الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب (SIAM) منصة سنوية وفرصة حقيقية لإبراز إنجازات التعاونيات الفلاحية المحلية، وتبادل وتقاسم قصص النجاح الملهمة في مختلف جهات المملكة.
ومن المؤكد أن التعاونيات الفلاحية تعتبر من الركائز الأساسية في تنمية القطاع الفلاحي بالمغرب، حيث تساهم في تحسين الظروف المعيشية للفلاحين، وتنظيم العمل الزراعي، وتعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
للتعاونيات دور
باختصار غير مُخلّ، تعتبر التعاونية تنظيماً اقتصاديا واجتماعياً يجمع أشخاصًا يتقاسمون نفس الحاجيات أو الأهداف، ويعملون بشكل جماعي لتلبية تلك الحاجيات عن طريق مساهماتهم في رأس المال والعمل، ويتم توزيع الأرباح حسب مساهمة كل عضو، وتُدار التعاونية بشكل ديمقراطي.
بشكل عام، تعد التعاونيات من الآليات الفعّالة لتعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب، حيث شهدت المملكة، خاصة خلال العقدين الأخيرين، نموًا ملحوظًا في عددها وتنوع مجالات اشتغالها، من الصناعة التقليدية، إلى الخدمات، والطاقات المتجددة، والتعليم، والفلاحة أيضا.
ويعود هذا التوسع إلى وعي متزايد بأهمية العمل الجماعي والتكافل الاقتصادي، إضافة إلى دعم الدولة المتواصل لهذا النموذج.
ووفق أرقام حديثة، فقد بلغ عدد التعاونيات في المغرب حوالي 90 ألف تعاونية، تضم أكثر من 600 ألف عضو، تمثل النساء حوالي 35% منهم.
وتشكل التعاونيات الفلاحية الحصة الأكبر، تليها تعاونيات الصناعة التقليدية، ثم الخدمات والقطاعات الناشئة.
خصوصية التعاونيات الفلاحية
على وجه الخصوص، تلعب التعاونيات الفلاحية دورًا محوريًا في تعزيز التنمية القروية والنهوض بالقطاع الفلاحي بالمغرب، باعتبارها آلية فعالة لتنظيم العمل الجماعي بين الفلاحين الصغار والمتوسطين، ومواجهة التحديات المشتركة مثل ضعف التمويل، وتقلبات السوق، وصعوبة الولوج إلى التقنيات الحديثة.
ومع تبني المغرب لرؤية استراتيجية لتحديث القطاع الفلاحي (مثل مخطط المغرب الأخضر واستراتيجية "الجيل الأخضر 2020–2030")، أصبحت التعاونيات الفلاحية في قلب السياسات العمومية الهادفة إلى تحقيق فلاحة تنافسية ومستدامة.
أدوار حاسمة
يبلغ عدد التعاونيات الفلاحية في المغرب حوالي 30,000 تعاونية، من أصل قرابة 90,000 تعاونية في جميع القطاعات، وبشكل عام، ارتفع عدد التعاونيات النسائية في المجال الفلاحي بشكل لافت، خاصة في مجالات الأركان، الزعفران، التين الشوكي، النباتات العطرية، والعسل.
وتعمل التعاونيات بالمغرب على توحيد جهود الفلاحين في مجالات الزراعة، وتربية المواشي، وتثمين المنتجات المحلية، كما أنها تسهّل الولوج إلى المدخلات الفلاحية (بذور، أسمدة، أدوات...) بجودة أفضل وأسعار تنافسية، إضافة إلى إمكانية اعتماد تقنيات حديثة في الإنتاج، والسقي، والتحويل الغذائي.
كما تسهم التعاونيات الفلاحية في خلق فرص الشغل وبالتايل محاربة الهجرة، حيث توفر مورد رزق مباشر للمنخرطين فيها، وتخلق فرص عمل غير مباشرة داخل سلاسل الإنتاج والتوزيع، وهو ما يفضي إلى تثبيت السكان في مناطقهم القروية وتقليل الهجرة نحو المدن.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تساهم التعاونيات الفلاحية المحلية في تقوية قدرات الفلاحين من خلال برامج التكوين والمواكبة التي تقدمها الدولة أو الشركاء الدوليين عبر التعاونيات، كما تساعد على تطوير مهارات التسيير، الإدارة، والجودة.
وعلى مستوى تسويق المنتوجات وتثمينها، تساعد التعاونيات الفلاحية أعضائها على إيجاد أسواق لمنتوجاتهم، سواء داخل المغرب أو خارجه، كما تساهم في خلق علامات تجارية جماعية، وشهادات الجودة (كالمنتوج البيولوجي، أو المنتوج المجالي)، وكذا تسهيل مشاركة الفلاحين في المعارض الوطنية والدولية، مما يفتح آفاقًا للتصدير، وعلى رأس هذه المعارض معرض مكناس الدولي للفلاحة "SIAM".
قصص نجاح من SIAM
يوفر معرض الفلاحة الدولي فرصة هامة للتعاونيات من أجل تتويج مجهوداتهم من خلال جوائز وتكريمات، تدفعهم للعمل أكثر من أجل تعزيز العمل التعاوني وتثمينه.
ومن بين هذه التعاونيات، تعاونية "العسل الجبلي – شفشاون"، التي تأسست سنة 2016 من طرف مجموعة من الشباب القرويين، ونجحت في تسويق عسل عضوي عالي الجودة محليًا ودوليًا، كما استفادت من مواكبة وزارة الفلاحة وبرامج دعم الفلاحة التضامنية، قبل أن تحصل على جائزة الابتكار في التغليف خلال إحدى دورات SIAM.
من جهتها، تعاونية "الزعفران الحر – تالوين"، التي تضم أكثر من 50 امرأة من قرى المنطقة، تركز على إنتاج الزعفران البيولوجي مع احترام تقنيات التجفيف والتخزين، وقد سبق لها أن تمكنت من توقيع عقود تصدير نحو فرنسا وكندا، خلال تواجدها بالمعرض.
وفي سيدي بنور، تبرز تعاونية "اللبن البلدي – سيدي بنور"، التي تخصصت في تحويل الحليب إلى مشتقات تقليدية مثل اللبن، الزبدة، والجبن، واعتمدت تقنيات حديثة في التبريد والتسويق، وبفضل مشاركتها في SIAM، توسعت شبكة توزيعها لتشمل أسواقًا حضرية كبرى.
وبشكل عام، يعتبر المعرض الدولي للفلاحة فضاء للتسويق والربط، يمكّن التعاونيات من التواصل مع مستثمرين وموزعين محليين ودوليين.
كما يقدم المعرض ورشات ودورات تكوينية حول التقنيات الحديثة، التسويق، والتسيير، إضافة إلى تسليط الضوء على مشاريع ناجحة لتكون مصدر إلهام لتعاونيات أخرى.