كتب أحدهم في تدوينة ساخرة "كان كل شيء يسير على ما يرام.. ثم اكتشف المغاربة أن يوتوب يدّر أرباحا" !
هذه المقولة تعبر بشكل مختصر عن "الثورة" التي حدثت في يوتوب المغربي بعد أن انتشرت الأخبار، التي وثقتها الفيديوهات لاحقا، بأن أرباح الإعلانات على يوتوب غيرت حال الكثيرين من الحضيض إلى النقيض.
ورغم أن نظام الأرباح في يوتوب موجود منذ أكثر من عقد من الزمن، إلا أن مغاربة اليوتوب لم يتجهوا إليه إلا بعد انتشار الهواتف الذكية التي سهلت عملية التصوير والمونتاج، والتي غدت في متناول أي طفل، ويمكن أن نؤرخ ذلك خصوصا بظهور ما سمي بـ"روتيني اليومي".
المحتوى.. عقبة كؤود
صحيح أن معلومة أرباح اليوتوب كانت متوفرة دائما، لكن صناعة المحتوى كانت تشكل دائما مشكلة حقيقية لأغلب اليوتوبرز، إضافة إلى ضرورة توفر الحد الأدنى من المعلومات حول التصوير والمونتاج.
ثم جاءت فكرة "روتيني اليومي"، وهو عبارة عن فيديوهات لا تتطلب أي تفكير ولا حتى أي مجهود. فقط تضع "اليوتوبر" الكاميرا أمامها وهي تقوم بأشغال البيت، أو ما شابه، لتجلب آلاف المشاهدين، خصوصا طبعا إذا كان الفيديو يظهر أشياء أخرى غير "الروتين".
انتشرت الفكرة إذن وصارت الكثيرات يطبقنها، وانضم إلى بعضهن أزواجهن، وتحول روتيني اليومي في بعض الحالات إلى مسلسلات حقيقية يعيشها المشاهد، تضم كل اللحظات السعيدة بين الزوجين، مرورا بالمشاكل اليومية، وتصل أحيانا إلى الطلاق، الذي يفرز لنا قناتين على يوتوب: قناة الزوج، وقناة الزوجة !
لكن، كل هذا أصبح مجرد تفاصيل غير مهمة إطلاقا، فحتى السباب والشتم، وأحيانا الضرب، صار مسموحا، مادام المشاهد موجودا، والكليك متواصل، والأدسنس يحسب.
حملة فيسبوكية ضد "الروتين".. وما من مجيب
المحتوى التافه والرديء لفيديوهات اليومي، التي لم يتردد أصحابها في إدخال الأطفال أنفسهم في اللعبة من أجل الربح، دفع المغاربة في أوائل سنة 2021 إلى إطلاق حملة فيسبوكية موجهة إلى الحكومة لوقف تدفق هذه الفيديوهات، لكن دون جدوى.
فالكثير من العقبات التنظيمية والتقنية وغيرها تقف حجر عثرة في وجه قانون يضع حدا لفيديوهات الروتين اليومي، وما يرافقها من إسفاف لا يخفى على أحد.
ورغم فرض يوتوب لنظام الأرباح الجديد، الذي يقتضي الوصول لـ4000 ساعة مشاهدة، و1000 مشترك، إلا أن هذا لم يفت من عضد "اليوتوبرز"، بل زاد من حدة الهوس، التي اقتربت من الجنون، من أجل جمع المشتركين والوصول إلى عدد الساعات المطلوب، فلم يعد هناك خط أحمر أو حرمة لأي شيء، لدرجة أن أحدهم صور اللحظات الكاملة لدفن ابنته الرضيعة في المقابر !
مشاهير.. ومتفرجون
شئنا ذلك أم أبينا، فإن هؤلاء اليوتوبرز الذين تحولوا إلى مشاهير حقيقيين، ما كانوا ليصلوا إلى ما وصلوا إليه لولا مئات الآلاف من المشاهدات.. ما يعني أن هناك مستهلكا لهذه التفاهة، ما يعني أيضا أنها ستستمر إلى أجل غير مسمى.
ومع هذه الشهرة الغريبة لم يعد الأمر يتعلق فقط بمداخيل يوتوب، بل أصبح هؤلاء يحظون بمستشهرين مباشرين يدفعون الملايين من أجل أن تتحدث عنهم فلانة أو علان، أو حتى تزور مقراتهم مثلا.
وقد تطور الأمر من "روتيني اليومي" إلى خلق حكايات وأكاذيب يومية، فهذا تشاجر مع زوجته، وهذه خانها زوجها، ليخرج طرف ثالث من الأسرة والعائلة (بعد أن لاحظ أن الأمر مربح فعلا)، ويدلي بدلوه في الموضوع متخذا لنفسه اسم شهرة هو أيضا... وهكذا.
أما عناوين الفيديوهات فأغلبها مستنسخة، وأغلبها من طراز "فلان دخل في فلان طول وعرض"، "فلان فضح فلان وفركع الرمانة".. وقس على ذلك.
الفيديوهات الجادة.. مشاهدات قليلة تنذر بالتوقف
باستثناء بضع قنوات ناجحة ولها أقدمية، فإن أغلب القنوات المغربية التي يحاول أصحابها تقديم محتوى مفيد وجاد، إما توقفت أو في طريقها إلى ذلك، والسبب طبعا هو قلة المشاهدات والإقبال، ما يعني ضعف الأرباح.
ولأن المحتوى الجاد يتطلب مجهودا ومصاريف لا بأس بها من أجل الخروج بشكل جيد للمتلقي فإن أصحاب هذه القنوات يؤثرون التوقف بدل تحمل الخسائر.