نبّه نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، إلى تصاعد التحديات التي تواجهها الإدارات العمومية في مجال تدبير المنازعات، مؤكداً أن هذه الأخيرة أصبحت تمثل عبئاً متزايداً على المالية العمومية، كما تهدد في بعض الحالات استمرارية وانتظام المرافق العامة.
وخلال مداخلة له في الجلسة العامة الثانية من المناظرة الوطنية التي نظمتها الخزينة العامة حول "تجارب الدول في تدبير منازعات الدولة"، شدد بنسودة على أن مواجهة هذه الإشكالية تتطلب اعتماد مقاربة شمولية واستباقية، تجعل من التدبير الفعال للمنازعات أداة أساسية لحماية المال العام وضمان سير المرافق العمومية في ظروف طبيعية.
وأوضح أن أولى الخطوات تكمن في الوقاية من المنازعات قبل نشوئها، وذلك من خلال تقديم استشارات قانونية للإدارات العمومية، واعتماد مقاربة احترازية عند إبرام العقود، إلى جانب تنظيم دورات تكوينية لفائدة الأطر الإدارية المكلفة بهذا المجال، بهدف تعزيز الوعي بالدور الوقائي الذي تلعبه هذه المرحلة.
كما أشار إلى أهمية اللجوء إلى الحلول البديلة لتسوية النزاعات، مثل الوساطة والتحكيم والصلح، لما تتيحه من إمكانية فض النزاعات بطريقة ودية وفعالة، بعيدة عن تعقيدات المساطر القضائية، وهو ما يساهم في تقليص الكلفة الزمنية والمالية وحماية العلاقات التعاقدية بين الأطراف.
أما على مستوى تدبير المنازعات التي تصل إلى ردهات المحاكم، فقد شدد بنسودة على ضرورة التزام الإدارات بحسن الدفاع عن مصالحها، عبر التوفر على خبرات قانونية متخصصة واعتماد مقاربات استباقية في اتخاذ القرارات، إضافة إلى ضرورة الانخراط في مسارات التفاوض والتحكيم حيثما أمكن، تفادياً لتكاليف إضافية ولتقليل المخاطر القانونية.
وأشار إلى أن نجاح هذه الجهود يقتضي أيضاً وجود إطار قانوني واضح ومنظم، يسهر عليه المشرع، ويساعد على تسوية المنازعات بطريقة عادلة وفعالة، كما يفرض الموازنة بين متطلبات السرعة والفعالية الإدارية، واحترام مبدأ المشروعية وصون حقوق الأفراد.
وختم بنسودة بالتأكيد على أن واقع الإدارة العمومية اليوم يفرض تجديداً عميقاً في طرق تدبير المنازعات، والاطلاع على التجارب الدولية لاستخلاص أفضل الممارسات، بما يضمن تحقيق التوازن المنشود بين الفعالية، العدالة، وحسن تدبير المال العام.