البحث عن حلول رومانسية لإنقاذ كوكب الأرض!

 البحث عن حلول رومانسية لإنقاذ كوكب الأرض!
علي قاسم
الثلاثاء 26 يوليو 2022 - 14:58

فجأة تكتشف البشرية أنها ضعيفة، بل هي أضعف كثيرا مما تصوره أكثر المتشائمين.

خلال ثلاث سنوات تلقينا أكثر من إشارة، كلفتنا الكثير من الألم، ولكن يجب أن نعتبر أنفسنا محظوظين فالوقت لم يفت بعد لتصحيح الخطيئة التي ارتكبت وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

لم نعد ننتظر الطوفان، ولم تعد سياسة التكاسل والتساهل والتراخي مقبولة. نحن اليوم نعيش الطوفان، ولن تنقذنا منه اجتماعات فنادق الخمسة نجوم. لا وقت لدينا للمزيد من الجدل حول أفضل الحلول. هل رأيتم يوما غرقى يتجادلون فيما بينهم؟ كل ما على الغريق فعله هو البحث عن قشة يتشبث بها.

تجادلنا ما فيه الكفاية. ولم يعد لدينا متسع من الوقت حتى للبحث عن قشة نتعلق بها. فما العمل إذا؟

المدافعون عن البيئة متهمون بالرومانسية. والواقعيون يقولون لنا لا تشغلوا أنفسكم بآتي العيش. اقبلوا مصيركم المحتوم بشجاعة، وإلى أن تحل الكارثة اغنموا من ملذات الحاضر ما استطعتم.

اركبوا السيارات الفارهة، وتناولوا أجود قطع اللحم الطري، وأسرفوا بتناول أفخر أنواع المشروبات. وعوموا بأحواض السباحة، وأسرفوا برش المساحات الخضراء بالمياه. لا تكترثوا بما يقوله الرومانسيون منكم، واحرصوا على أن يأتيكم الطوفان وأنتم سكارى.

حتى وقت قريب جدا كنا نصغي لما يقوله العقلاء منا، ونتبرأ من رومانسية الخضر والمدافعين عن البيئة، عشاق التقشف والفقر، ونستعيذ بالله أن نكون منهم.

فجأة انقلبت الموازين، انتشرت الأوبئة، وحل الجفاف، واشتعلت الحرائق، وجفت المياه. الطوفان الذي خلنا أنه بعيد أحاط بنا من كل جانب، لنجد أنفسنا مضطرين إلى الإصغاء لما يقوله الرومانسيون منا.

هل كافحت البشرية واجتهدت الآلاف من السنين لتجد نفسها اليوم في وضع مضطرة فيه إلى التخلي عن جميع مكتسباتها وهجر حياة الرفاهية التي وفرتها لها التكنولوجيا؟ وهل نزيل بجرة قلم مكاسب بذلنا في سبيلها العرق والدم.

سيكون التخلي عن هذه المكتسبات أمرا مستحيلا، حتى وإن رغبنا في ذلك.

لن نتوقف عن استخدام السيارات والطائرات والسفن، ونعود للسفر في قوافل ونبحر في سفن تسيرها الرياح، ولن نتوقف عن أكل اللحوم والتمتع بشرب المياه والعوم في أحواض السباحة. والأهم من كل ذلك، لن نغلق المصانع التي توفر لنا سلعا أدمنا اقتناءها.

حتى لو صدقت النوايا، لن يكون لدينا ما يكفي من وقت للتحول إلى الطاقة النظيفة ووقف الحرائق والظواهر المناخية المدمرة التي سادت العالم، ولم تسلم منها قارة أوروبا العجوز؛ الحرائق لحظة كتابة هذا المقال ممتدة من اليونان إلى البرتغال وإسبانيا. وبالطبع مشتعلة في الولايات المتحدة.

شيء واحد نستطيع فعله، هو أن نوقف ظاهرة الهدر. وهو ما شرعت في فعله دول أوروبية أدركت حكوماتها أن لا وقت هناك يضيع بانتظار معجزة تعكس عقارب الساعة.

بغياب الحلول الجذرية، لا بأس من تبني حلول رومانسية طالما سخرت منها الدول الصناعية الكبرى.

في فرنسا أعلن عن مراسيم جديدة تجبر المتاجر المكيفة على إغلاق أبوابها، وتقليل الإعلانات المضيئة بهدف توفير الطاقة، من خلال مرسومين: الأول، يفرض الحظر المفروض على الإعلانات المضيئة بين الواحدة والسادسة صباحا، باستثناء المطارات ومحطات القطارات. والثاني، يحظر على المحلات ترك الأبواب مفتوحة بينما تعمل المكيفات أو “أجهزة” التدفئة.

ترك أبواب المتاجر مفتوحة يعني “استهلاكا أكبر بنسبة 20 في المئة وهذا غير معقول”، هذا ما تقوله الحكومة الفرنسية التي تخطط لتعميم الحظر على الدولة بأكملها، وفرض غرامة تصل إلى 750 يورو على المخالفين.

وفي ألمانيا التي يجري فيها 950 نهرا، وتنتشر فيها 30 ألف بحيرة، ولم تكن مضطرة حتى وقت قريب إلى التفكير في ندرة المياه، يتحدث المسؤولون فيها عن ضرورة الحصول على المزيد من الصلاحيات لمواجهة الإسراف في حال ندرة المياه، وحظر رش الأعشاب أو غسل السيارات أو ملء حمامات السباحة. وتشجع الحكومة الألمانية على استخدام مياه الاستحمام مرة أخرى وتخضير الواجهات والأسطح.

لقد أدركت حكومات أوروبا، بانتظار أن تتبعها دول العالم، أن الـ”هدر” هي الكلمة الوحيدة التي يمكن لها أن تصف استخدامنا للموارد الطبيعية.

ثقافة “أنا ومن بعدي الطوفان” التي سادت مجتمعاتنا وطبعت سلوكنا حتى هذه اللحظة يجب أن تتوقف، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. دمار البيئة ليس مجرد قضية سياسية أو اقتصادية أو أمنية. إنه في الدرجة الأولى قضية أخلاقية وثقافية وتربوية.

الواقعية نجحت في بناء حضارة إنسانية مذهلة، ولكنها فشلت في تأمين الظروف المناسبة لاستمرار هذه الحضارة. اليوم لا بد من لمسة رومانسية، لربما أنقذت كوكب الأرض من الدمار.

أنقر هنا لقراءة المقال من مصدره.