من المؤكد أن زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية للمغرب، والأنشطة التي رافقت الزيارة، كانت ناجحة إلى أبعد مدى، إلى درجةٍ دفعت الجزائر إلى تجاوز مرحلة التململ التي لم تعد تفارق القائمين على قصر المرداية، إلى مرحلة رد الفعل وإصدار بيان غاضب !
يعلم الجميع أن زيارة داتي للأقاليم الجنوبية وأنشطتها هناك هو شأن داخلي مغربي محض، لكن الجارة الشرقية، للأسف، ما زالت تواصل وصلاتها الكوميدية التي لم يعد يضحك منها أحد.
الخارجية الجزائرية أرغدت وأزبدت، واعتبرت أن الزيارة كانت "مستفزة" ! لمن ولماذا؟ لا أحد يعلم للأسف.
لكن حقيقة الأمر أنها كانت فعلا مستفزة لكل أعداء الوحدة الترابية بعد أن قامت داتي بأنشطة على أعلى مستوى، وأعلنت عددا من المشاريع، الثقافية خصوصا.
لقد شكلت زيارة داتي للأقاليم الجنوبية تجديدا لتأكيد موقف فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، الداعم لمغربية الصحراء، في بادرة تعد الأولى من نوعها لمسؤول حكومي فرنسي.
وقد أكدت الوزيرة أن زيارتها للأقاليم الجنوبية للمملكة تندرج في إطار استمرارية الشراكة الاستثنائية التي تعززت بين فرنسا والمغرب، وفي إطار ما وصفته بــ"الكتاب الجديد الذي سيخطه البلدان".
داتي اعتبرت أن الأمر يتعلق بــزيارة تاريخية "لأنها المرة الأولى التي يزور فيها وزير غربي هذه المنطقة من المغرب"، وتابعت "إنها لحظة مهمة لأنها ليست صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، بل كتاب جديد ستخطه فرنسا والمغرب معا".
كما جرى الحديث، خلال هذه الزيارة، عن مجموعة من المشاريع بالأقاليم الجنوبية، وخاصة مشروع الرابطة الفرنسية (Alliance Française)، الذي سيكون له تأثير هام في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
ووصفت داتي مدينة طرفاية بـ"المكان التاريخي للذاكرة المشتركة"، حيث كان أنطوان دو سانت إكزوبيري، خلال توليه إدارة مهبط الطائرات في المنطقة، قد ألف أولى أعماله (بريد الجنوب).
كما أعربت الوزيرة الفرنسية عن سعادتها بافتتاح ملحقة جهوية للمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما بالداخلة، والذي يروم تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الإنتاج المشترك والتبادل السينمائي، من خلال التكوينات، والإقامات الفنية، وتبادل الخبرات.
كل هذا الزخم، ربما، كان لقمة عصيّة على الهضم بالنسبة للجزائر التي اعتبرته "استخفافا سافرا بالشرعية الدولية".
لقد كانت زيارة داتي مؤلمة لأعداء الوحدة الترابية، وقبلها زيارة السفير الفرنسي للأقاليم الجنوبية، وعزمه جلب رؤوس الأموال إلى الصحراء.
وقبلها، زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، وتصريحه أن مستقبل الصحراء "لا يمكن أن يكون إلا تحت السيادة المغربية، وفي إطار مقترح الحكم الذاتي".
ستتواصل الزيارات، وتتواصل الاعترافات بسيادة المغرب على صحرائه، وسيبقى حكام الجزائر فعلا "خارج التاريخ".