المكتبات العمومية في المغرب.. كنز حقيقي يوشك على الاندثار!

 المكتبات العمومية في المغرب.. كنز حقيقي يوشك على الاندثار!
آخر ساعة
الأربعاء 25 مايو 2022 - 5:35

تتذكر أجيال ما قبل ثورة الإنترنت تلك الفترة التي كان إنجاز بحث خلالها يعد عملية معقدة ومرهقة، لكنها مثمرة جدّا، ومفيدة من الناحية المعرفية.

وسواء كان البحث لموضوع في مرحلة الابتدائي، أو حتى  الجامعي، فإن الملاذ الوحيد كان هو المكتبات العمومية، حيث تصطف في الرفوف تلك الكتب لمختلف عناوينها وأغلفتها وحتى ألوانها.

ولأن الكتاب كان هو مصدر المعلومة والاطلاع الوحيد حينها، فإن أسعاره لم تكن في متناول الجميع، وبالتالي فالمكتبات العمومية المجانية كانت أيضا هي الملاذ لمن يريد فقط الاطلاع والاستزادة في موضوع ما، أو حتى قراءة رواية أو قصة.

الرواد يهجرون

جاءت ثورة الإنترنت، وللأسف، بدل أن تخدم هذا القطاع أكثر، مثلما حدث في دول عدة، أثرت عليه سلباً وغاب عنه الرواد واكتفى الجميع بهواتفهم الذكية وحواسيبهم في إنجاز المطلوب مؤثرين ما هو سهل.

وبنظرة سريعة على الطريقة التي ينجز بها التلاميذ بحوثهم ستدرك أن الأمر لا علاقة له إطلاقا بالتعليم، إنما هو فقط إنجاز المطلوب من طرف الأستاذ، الذي بدوره لا يكلف نفسه مراجعة ما هو مكتوب ما دام التلميذ قد أحضره.

وبجولة صغيرة في مقاهي الإنترنت ستكشف حجم الكارثة في هذا الباب، حيث يطلب التلميذ من صاحب المقهى بحثا جاهزا عن موضوع ما، فينجزه له بسرعة البرق ويقبض الثمن.. ومريضنا ما عندو باس.

قيّمات وقيّمو المكتبات يشتكون

يشتكي قيمو المكتبات العمومية بالمغرب من غياب هذا النوع من التلاميذ الباحثين بشكل شبه مطلق، فالكسل أصبح هو السائد، ومن النادر أن يأتي أحد فقط من أجل بذل مجهود وإنجاز بحث في المستوى من خلال الكتب المتوفرة في المكتبة.

كما يشتكي القيمون من غياب التكوين لدى الموظفين الجدد غير المتخصصين في المجال، بحيث تصبح المصيبة مصيبتين، فلا الباحث يدرك كيف يبحث، ولا القيّم يدرك كيف يساعده، أو حتى كيف يقوم بتصنيف ما لديه من كتب وترتيبها وفق ما يحدده علم المكتبات (تصنيف ديوي العشري على سبيل المثال لا الحصر).

هكذا، وعلى مستوى العامل البشري، يبدو أن المكتبات العمومية تسير فعلا في طريق شبه مسدود، ما لم يتم اتخاذ إجراءات وخطوات على مستويات أعلى.

الوزارة.. غياب المواكبة والاهتمام

ظهرت أول مكتبة عمومية بالمغرب، بمفهومها الحديث، سنة 1919، حين تم إحداث الخزانة العامة بالرباط. وبلغ عدد المكتبات العمومية، وفق آخر إحصاء متوفر لدى وزارة الثقافة، سنة 2014 نحو 641 مكتبة، منها 358 مكتبة تحت الوصاية التامة أو الجزئية لوزارة الثقافة.

وبزيارة سريعة لموقع وزارة الثقافة على الإنترنت، يمكن أن تقف على الخلل والنقص الذي يعتري القطاع، فبالبحث، مثلا، عن مكتبة عمومية بطنجة، تجد أن هناك مكتبة وحيدة هي المكتبة العمومية، بينما تتوفر طنجة على أكثر من ذلك بكثير، بين مكتبات أحياء ومكتبتين وسائطيتين (مكتبة إقرأ لا زالت لم تفتتح بعد رغم جاهزيتها)، ومكتبات خاصة كمكتبة عبد الله كنون.

هذه المعطيات توحي بغياب التحيين عن موقع الوزارة فيما يخص المكتبات العمومية بمدن المملكة، فإذا كان هذا هو حال الوزارة فأكيد أن حال ما دونها أسوأ.

غياب التحيين نلمسه أيضا على أرض الواقع، حيث يغيب التحديث على أغلب المكتبات، وتندر فيها المؤلفات الحديثة بمختلف اتجاهاتها، وتكتفي بما كان موجودا قبل عقد أو عقدين من الزمن، إلا فيما ندر من مؤلفات.

مكتبة إقرأ بطنجة.. نموذج سيّء

من أسوأ النماذج على التعاطي مع المكتبات العمومية نجد مكتبة "إقرأ" الوسائطية بطنجة، التابعة للوزارة، والتي تم بناؤها وتجهيزها بشكل فريد، لكنها للأسف لا زالت لم تشتغل إلى الآن.

والغريب أن المكتبة تزخر بالموظفين، ويمكنها بدء الاشتغال في أي وقت، لكن التسويف هو شعار الوزارة لحد الآن، دون أن يكون لذلك أي سبب واضح.

كما تضم المكتبة آلاف الكتب القيمة ومجهزة بشكل حديث ورائع، لكن هذا لن يدوم لو طال إغلاق المكتبة في وجه الرواد، خصوصا أن علامات الإهمال بدأت تظهر على الجدران الخارجية من الآن.

نماذج عالمية

على عكس ما يحدث بالمغرب، فإن المكتبات العمومية في دول العالم المتقدم خصوصا لا زالت تحظى بنفس الأهمية وربما أكثر. فقد استثمرت هذه المكتبات ثورة التكنولوجيا نفسها لخدمة الكتاب.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن عدد المكتبات العمومية، بمختلف أنواعها، يقارب 116 ألف مكتبة، وهي لا زالت تؤدي أدوارها وتحرص على التعاطي مع كل جديد.

وفي إحصائيات معهد المتاحف والمكتبات العمومية بأمريكا لسنة 2017، نجد أن عدد المسجلين في هذه المكتبات هو 172 مليون شخص، بنسبة 55% من مجموع الأشخاص المتواجدين في منطقة بها مكتبة عمومية.

قدمت هذه المكتبات 5.6 مليون برنامج خلال سنة 2017، بزيادة 200 ألف برنامج عن سنة 2016، كما منحت أكثر من 463 مليون كتاب إلكتروني لروادها خلال نفس السنة.