في كل حادثة تحرش تحدث بالمغرب، يسارع الكثيرون لإيجاد المبررات، بكون المتحرش بها (أو به)، كان له يد في دفع الآخرين لذلك.
لكن، الحقيقة أن التحرش هو سلوك بذيء صادر عن نفس دنيئة وقليلة التربية للأسف، مهما بحثنا له عن مبررات، لأنه ببساطة اعتداء على الغير دون وجه حق، أياً كان هذا الآخر، وكيفما كان، ما لم يخرق القانون جهراً أو يعتدي على حقوق الآخرين هو أيضا.
قد يُفهم هذا التصرف، دون أن يُعذَر، في ديستوبيا مفتوحة لا قانون فيها ولا ضوابط.. في غابة مثلاً.. لكن وسط مجتمع تضبطه قوانين وأعراف، فإن التحرش يبقى فعلاً مرفوضا جملة وتفصيلا.
حادثة طنجة الأخيرة أعادت نقاش التحرش إلى السطح، واعتبر كثيرون أن لباس المتحرش بها كان سبباً فيما حدث، وهنا يتم الخلط بين أمرين منفصلين تماما.
فحتى لو فرضنا أن شخصاً مشى عاريا تماماً في الشارع، فإن التصرف السليم هو الاتصال بالشرطة أو الجهة المسؤولة التي لها حق التدخل، وليس تطبيق شرع اليد.
ثم إن عملية التحرش، للأسف، تكون دائما بين كثرة وقلة، أو كثرة وفرد، أو قوي وضعيف.
عملية الاستقواء والاعتداء حاضرة دائما في التحرش، ووجود طرف ضعيف يغري جماعةً ما بالتحرش والاعتداء عليه لأنه غير قادر على الرد، وليس لأنه "أخطأ" أو ارتكب جرما.
وإلا فإن الكثير من حالات السرقة التي تحدث أمام الملأ لا يتم التدخل فيها إلا نادراً جدا، لأن اللص شخص خطير، وربما قوي، والخوف من الاعتراض له يكون حاضرا، وفي هذه الحالات يكون الأمن، دائما، هو الذي يتدخل، وهو الذي ينهي المشكلة فعلاً، فلماذا لا نتركه يفعل الشيء نفسه لو لاحظنا وجود تصرف "مشين" في الشارع؟
وبالتالي، فإن الحديث عن حالات التحرش باعتبارها ردَّ فعل، هو حديث مردود على أصحابه، لأن رد الفعل هذا لا يحدث إلا مع الفئات الضعيفة غير القادرة على الرد.
وهو ما يعني أن التحرش فعلاً سلوك طائش غير سوي من طرف جماعة أو فرد يرى أن بإمكانه أن يؤذي الآخر دون أن يلقى أية عقوبة.. على الأقل في تلك اللحظة.
لحسن الحظ أن الكاميرات تسجل ما يحدث، وهو ما مكن الأمن، في حادثة طنجة، من توقيف عدد من المتحرشين، وقد تم فعلا عرضهم أمام أنظار وكيل الملك، باستئنافية طنجة.
الصرامة في تطبيق القانون مع المتحرشين هي واحدة من عدة وسائل لإنهاء هذه التصرفات الطائشة جدا التي تحول الشوارع إلى مكان غير آمن، لمجرد الاختلاف، أو لمجرد عدم الرضا عن شكل أو هندام الآخر.