وأنت تشاهد لحظات اعتماد أوراقها أمام ملك إسبانيا، بقفطانها المغربية وبوقفتها المليئة بالاعتداد والأنفة، تشعر أنك أمام امرأة غير عادية أبداً، امرأة تعتز بوطنها وبنفسها وبتاريخها.
وبالانتقال إلى مشهد آخر، يمكن أن نسجل ثباتا انفعاليا غير عادي وفصاحةً وطلاقةً نادرة، في تصريحها باللغة الإسبانية إثر الأزمة مع إسبانيا بسبب استقبال الانفصالي إبراهيم غالي.
خلال هذه الأزمة قالت بالحرف وبصرامة وحزم إنه، في العلاقات بين الدول، "هناك أفعال لها عواقب ويجب تحملها"، وأن هناك مواقف "لا يمكن قبولها".
هي كريمة بنيعيش، ابنة مدينة تطوان المولودة في 2 أبريل سنة 1961 من أم إسبانية وأب مغربي، تتحدث الإسبانية والإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والروسية بطلاقة.
كان والدها رحمه الله قد توفي في انقلاب الصخيرات وهي بعدُ طفلة، ليتكلف الملك الراحل الحسن الثاني بتربيتها إلى جانب شقيقها فاضل بنيعيش.
مسار بنيعيش الدراسي حافل لكن دون منعرجات كثيرة، فقد حصلت بنيعيش على البكالوريا في العلوم الاقتصادية بالرباط سنة 1981، ثمّ على الإجازة في ذات التخصص من جامعة مونتريال بكندا سنة 1986، ثم أتبعتها بشهادة "ميتريز" في العلوم الاقتصادية من نفس الجامعة سنة 1988، كما حصلت لاحقا على دكتوراه شرفية من جامعة نوفا بلشبونة (2013).
تقلدت العديد من المهام من بينها مديرة للتعاون الثقافي والعلمي بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، كما شغلت ابتداءً من سنة 2013 منصب نائبة رئيس اللجنة التنفيذية لمركز شمال-جنوب التابع لمجلس أوروبا.
لما أظهرته من كفاءة وقدرات ديبلوماسية لا تخفى، عينها الملك محمد السادس، في 7 نونبر 2008، سفيرة للمغرب بالبرتغال.
تم توشيح بنيعيش بالعديد من الأوسمة من بينها قائد الاستحقاق المدني في إسبانيا سنة 2000، ووسام الاستحقاق الوطني في فرنسا سنة 2007.
عيّنها الملك محمد السادس في نفس شهر ميلادها، أبريل، سنة 2018 كسفيرة للمغرب في إسبانيا، وهو المنصب الذي لا زالت تشغله لحد الآن.
وتدرك بنيعيش أن واحدة من المهام الثقيلة فعلا الموكلة إلى مكتبها بقلب العاصمة مدريد أن تولي عنايتها لأبناء الجالية المغربية هناك، لهذا قامت في يونيو من سنة 2022 بجمع القنصليات العامة داعية إياهم إلى جعل مسألة عودة المغاربة إلى وطنهم الأم "بمثابة أولوية".
كما أكدت الدبلوماسية المغربية أن المصالح القنصلية مدعوة إلى الإنصات لمغاربة العالم، مساعدتهم وتمكينهم من الدعم والمساعدة اللازمين، تطبيقا للتعليمات الملكية.
وأوضحت أن تدخل القنصليات قصد تلبية أي حاجة من حيث التوجيه، التواصل، المساعدة الإدارية والدعم "هو ضرورة ملحة للمساهمة في نجاح هذه العملية، التي تشكل أكبر حركة هجرة بين قارتين".
كريمة بنيعيش رئيسة وعضو بالعديد من الجمعيات التي تعنى بالطفولة والمرأة والثقافة، ولعل هذا يظهر ذلك الجانب اللين من شخصيتها الحازمة، حيث تترك فسحة للعمل الاجتماعي والثقافي إلى جانب كل التزاماتها الديبلوماسية وما تتطلبه من جدية.
الديبوماسية التي تجيدها بنيعيش أيضا، حيث تختار جيدا لحظات الحزم و"العين الحمرا" ولحظات اللين والتوافق، وقد صرحت بعد انفراج الأزمة وعودتها إلى إسبانيا لمواصلة مهامها كسفيرة هنا "إنه لمن دواعي سروري أن أعود إلى العمل في مدريد، وأن نعزز العلاقات بين البلدين".
نعم.. في السياسة لا توجد عداوة دائما، وهذا ما تدركه "المرأة الحديدية" كريمة بنيعيش ولا شكّ.