لا أحد يدري متى بدأ البساط يُسحب من حُكم عيد الأضحى الأصلي كمناسبة دينية غير ملزمة، إلى فرض قاهر بقوة المجتمع المغربي.
لكن السنين توالت منذ الاستقلال، وواكبتها هجرة تدريجية من القرى نحو المدن، ولم تعد الأغنام من الممتلكات لعدد كبير جدا من سكان المغرب، وبالتالي صارت عملية اقتناء الأكباش في العيد الكبير حدثا قائما بذاته.
مع مرور العقود أصبح ثمن الكبش يرتفع سنة عن سنة، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار مختلف السلع، إضافة إلى الظروف الاقتصادية التي ازدادت صعوبة.
الجفاف كان عاملا إضافيا جعل من وفرة الأضاحي مشكلة في عدد من السنوات، بل أدى إلى إلغاء الشعيرة نفسها من طرف الملك الراحل الحسن الثاني.
الأولى كانت سنة 1981، حين قال الحسن الثاني "نهيب بشعبنا العزيز ألا يقيم شعيرة ذبح أضحية العيد في هذه السنة للضرورة".
أما الثانية فكانت سنة 1996، بعد أن اعتبر الجفاف كارثة وطنية سنة 1995.
هذا الإلغاء أصبح حلماً أحيانا لكثير من الأسر البسيطة المغربية باعتبار أن المصيبة "إذا عمت هانت"، فمن هنا تبدأ المأساة المجتمعية.
فجل المغاربة أصبحوا يضحون باعتبار الأمر من مظاهر القدرة المادية والتنافس الاجتماعي، فقيمة الأسرة في العائلة تحسب بحجم وسعر الكبش أو الأضحية.
وفي مجتمع ترتفع فيه نسبة التنافسية والغيرة والحسد إلى أعلى الدرجات، فإن العيد ينسلخ تماما من كونه سنة مؤكدة، غير ملزمة حتى لم لديه القدرة، إلى ضرورة تجر معها أحيانا كوارثَ حقيقية.
فكم من حالات طلاق تسبب فيها التشبث بضرورة اقتناء الأضحية، وكم من أب قتله الهم لأنه لم يستطع توفير الأضحية لأطفاله، بل إن الأمر وصل إلى ارتكاب جرائم بسبب الخلاف حول الموضوع، وهو ما توثقه الأخبار المؤرشفة في المواقع الإخبارية.
فمن شعيرة هدفها ديني وروحي بحت، انتقل عيد الأضحى إلى مناسبة مرعبة للأسر الفقيرة، يكاد يتمنى المرء أن تغيب بأي شكل من الأشكال.
أما هذه السنة، فالأمر أصبح أكثر استفحالا، فأسعار الأكباش أصبحت خيالية، بينما اقتناء الأضحية لا زال فرضا وسيفا مسلطا على رقاب أرباب الأسر، مع أن الأمر أهون من ذلك بكثير، لكنها قوة المجتمع وسلطة الوعي الجماعي.