لماذا تنسحب البنوك الفرنسية من المغرب؟

 لماذا تنسحب البنوك الفرنسية من المغرب؟
آخر ساعة
الخميس 18 أبريل 2024 - 10:07

أعلنت المجموعة المغربية سهام SAHAM المملوكة للوزير السابق مولاي حفيظ العلمي، أخيرا، عن توقيع عقد يسمح لها باقتناء 57.67% من رأسمال الشركة العامة المغربية للأبناك (SGMB) وفروعها بصفقة بلغت قيمتها 745 مليون أورو.
ومن المنتظر أن تكتمل العملية بحلول نهاية عام 2024، بعد موافقة بنك المغرب ومجلس المنافسة وهيئة مراقبة التأمين والضمان الاجتماعي (ACAPS) والهيئة المغربية لسوق الرساميل (AMMC)، وستكون مصحوبة بمشروع عرض شراء عمومي إلزامي (OPA) على الأوراق المالية لشركة إقدوم المدرجة في بورصة الدار البيضاء.

الملاحظ أن هذه العملية، عند اختتامها، ستكون هي الثانية من نوعها خلال عامين، ففي دجنبر 2022، قامت مجموعة هولماركوم بإضفاء الطابع الرسمي على الاستحواذ على الحصة الإجمالية للبنك الفرنسي القرض الفلاحي Crédit Agricole، أي 78,7%.

أما بالنسبة لآخر بنك مغربي لا يزال في أيدي الفرنسيين وهو BMCI (BNP Paribas) فإن مستقبله كان موضع تكهنات لعدة سنوات.

إن حركة انسحاب البنوك الفرنسية لفائدة المستثمرين المحليين ليست محصورة في المغرب فقط، بل تشمل دولاً إفريقية أخرى أيضا.

ففي نهاية عام 2019، على سبيل المثال، استحوذ البنك المركزي الشعبي على ممتلكات المجموعة الفرنسية Banque Populaire Caisse d’Epargne (BPCE) في الكاميرون وجمهورية الكونغو ومدغشقر.

تبعاً لذلك، كيف يمكننا تفسير هذا الاهتمام المتزايد من جانب البنوك الفرنسية تجاه السوق الأفريقية؟

بيئات تنافسية مختلفة

يقول رافائيل كوينا، المدير الأول للمؤسسات المالية في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، في تصريح لجريدة "لوبينيون" أنه، في السنوات الأخيرة، "أدركت المجموعات المصرفية الفرنسية الكبرى أن دمج الأنشطة المصرفية للأفراد والأنشطة المصرفية التجارية في البلدان الأفريقية أصبح معقدًا للغاية".

ويضيف المتحدث أنه ليس لدى الأسواق الإفريقية، بالضرورة، نفس الهيكل المصرفي كما هو الحال في فرنسا أو أوروبا، والبيئات التنافسية ليست هي نفسها، واستراتيجيات المنتجات مختلفة وممارسات المنح لا تتماشى دائما مع ما يمكن أن نراه في أوروبا.

وهذا يحد، وفق كوينا، من احتمالات التكامل أو التضافر مع الشركات المصرفية الأخرى، وهو ما لا يسمح لهذه المجموعات بتضخيم العائد على حقوق المساهمين، كما يجعل من الصعب تبرير الاحتفاظ بفروعها التابعة في هذه البلدان.

الرغبة في المخاطرة

ينضاف إلى ذلك أيضا بُعد المخاطر، سواء مخاطر الميزانية العمومية (في المقام الأول مخاطر الائتمان، وكذا مخاطر صرف العملات الأجنبية)، أو حتى مخاطر الحوكمة والمخاطر الجيوسياسية والتنظيمية.

علاوة على ذلك، حرص بنك الشركة العامة على الإشارة في بلاغه الصحفي إلى أن بيع فرعه المغربي سيكون له تأثير إيجابي يقدر بحوالي 15 نقطة أساس على نسبة رأس المال المشترك للمجموعة (CET1) عند الانتهاء من العملية.

ويواصل المحلل المالي "خلافاً لمنافسيها المحليين، فإن المجموعات الفرنسية تعاني من الحرمان بسبب الأنظمة الأوروبية، وخاصة في مجال منح الائتمان. فعندما يكون لديك مساهمون فرنسيون وأوروبيون، يخضعون للوائح البنك المركزي الأوروبي، يجب تطبيق معايير منح متحفظة إلى حد ما، يؤدي هذا في بعض الأحيان إلى عدم القدرة على تنفيذ كل شيء يتعلق بالكثير من الأعمال في هذا المجال في بعض البلدان الإفريقية.

والواقع أن البنك المركزي الأوروبي يطلب بانتظام الاطلاع على "بيان الرغبة في المخاطرة" لدى الشركات الأجنبية التابعة للبنوك الأوروبية، من أجل التحقق مما إذا كانت هذه الأخيرة تتفق مع سياسة المجموعة.

ولتجنب التعرض للعقوبات، تعمل هذه المجموعات على تحقيق قدر أكبر من التنسيق في عمليات إدارة المخاطر، وذلك لطمأنة المشرف بشأن التحكم في المخاطر في ميزانيتها العمومية.

ونتيجة لذلك، تجد هذه البنوك الفرنسية نفسها عاجزة عن رغبتها في زيادة تواجدها في الأسواق التي تشهد رغم ذلك نموا قويا، يبرز المتحدث، "إذا لم يكن البنك مستعدا لتحمل الكثير من المخاطر، فلن تكون لديه إمكانية السعي لتحقيق هذا النمو، مقارنة بالبنوك المنافسة".

من التالي؟

رغم أن انسحاب الشركة العامة من السوق المغربية قد يكون مفاجأة للبعض، إلا أنه بالنسبة لأولئك الذين راقبوا عن كثب تطور المجموعة المصرفية الفرنسية في السنوات الأخيرة، فإن هذا القرار لم يكن غير متوقع.

يقول كوينا "إن إدارة البنك أجرت مؤخرًا مراجعة استراتيجية لمحفظتها الاستثمارية في أفريقيا، وبهذه المناسبة، انسحبت الجماعة منتصف عام 2023 من عدة دول إفريقية، وهي موريتانيا والكونغو وتشاد وغينيا الاستوائية".

وقبل ذلك ببضع سنوات، بدأت المجموعة نفس الاستراتيجية في أوروبا الشرقية. بين عامي 2016 و2018، حيث باع بنك الشركة العامة حصصه فيما لا يقل عن عشرة بنوك لإعادة التركيز على ثلاث دول: جمهورية التشيك ورومانيا وروسيا.

البنك المغربي للتجارة والصناعة BMCI هو الوحيد الذي ما زال يقاوم مغربة القطاع البنكي، لكن إلى متى؟ "أجرى بنك بي إن بي باريبا مراجعة استراتيجية لوجوده في أفريقيا في 2019-2020. بشكل عام، إنها مجموعة تهتم تمامًا بأداء الشركات التابعة لها، وتقوم بانتظام بإعادة تقييم أهمية البقاء في هذا البلد أو هذا القطاع من النشاط" يكشف رافائيل كوينا.

ويورد المحلل المالي أنه، إذا كانت مجموعة بي إن بي باريبا راغبة حقاً في الخروج من المغرب، فسوف تواجه مهمة معقدة تتمثل في العثور على مشتر يتمتع بالموارد المالية الكافية. فإلى جانب هولماركوم وسهام، من سيكون لديه القوة بما يكفي للشروع في مثل هذه المغامرة؟ المستقبل وحده سيجيب.