عبد اللطيف حموشي، الصموت الحازم الذي خط مسارا أمنيا متميزا بالمغرب

 عبد اللطيف حموشي، الصموت الحازم الذي خط مسارا أمنيا متميزا بالمغرب
آخر ساعة
الجمعة 27 مايو 2022 - 17:27

صمُوت، صارم وخدوم. صفات ثلاثة يمكن أن تستشفها بسهولة من ملامح وجه عبد اللطيف حموشي، رجل الأمن الأول في المغرب، وهي مهمة ثقيلة جدّا تنتزع الراحة والابتسامة من أعتى الرجال، على عكس ما قد يبدو في الظاهر.

فتوفير الأمن لما يزيد عن 30 مليون مغربي، بحيث يناموا ملء جفونهم دون أن يخشوا اعتداء أو ما شابه، هو مهمة جليلة وشاقة في نفس الوقت.

يعرف عن حموشي أنه رجل كتوم، ومتحفظ، ومحافظ على الصلاة، ذكي وجدي، كما أنه ماهر في تحليل المعطيات، ومهتم بالجماعات الإرهابية.. الهاجس الأمني الأكبر.

البداية

ولد حموشي سنة 1966 في مدينة تازة، وتدرج في دراسته إلى أن ولج أبواب كلية الحقوق والعلوم الاجتماعية بجامعة محمد بن عبد الله في فاس.

البداية الحقيقية للرجل كانت سنة 1993 عندما دخل صفوف المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الديستي)، ليجد نفسه بعدها بقليل أمام حدث جلَل وضخم، مضطرّا للتعامل مع ملفات الخلايا المسلحة بعد الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فندق أطلس آسني بمدينة مراكش عام 1994.

عند اعتلاء الملك محمد السادس العرش، قام بتعيين الجنرال حميدو لعنيكري، على رأس مؤسسة "الديستي"، والذي قام من جهته بإحداث تغييرات كبيرة على رأس هذا الجهاز الأمني كان أبرزها إعطاء فرص أكبر للأطر الشابة لتحمل المسؤولية، وكان ضمن هذه الأطر عبداللطيف حموشي.

تحديات متتالية

سنة 2007، أصبح عبد اللطيف حموشي أصغر مدير عام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عن سن بلغ 39 سنة آنذاك، وهي السنة نفسها التي اشتغل فيها على ملف السلفيين وفق مقاربة جديدة لا تستبعد الحوار معهم.

كما اضطر حموشي مع التعامل مع حدث خطير جديد تمثل في تفجيرات مقهى أركانة في أبريل من سنة 2011، والذي أعلنت وزارة الداخلية أنه عمل إرهابي ناتج عن انفجار قوي بواسطة مادة متفجرة داخل المقهى.

بلغ عدد قتلى الحادث 16 شخصا من بينهم 11 من جنسيات أجنبية وثلاثة مواطنين مغاربة، فيما وصل عدد الجرحى إلى 21 جريحا، قبل أن تعلن الوزارة نفسها في 5 ماي 2011، أنه تم إلقاء القبض على ثلاثة مواطنين مغاربة من بينهم المنفذ الرئيسي للعملية الإرهابية، إذ أشار البلاغ إلى "قيام مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتحريات دقيقة ومعمقة، مكّنت المصالح الأمنية من إلقاء القبض على ثلاثة مواطنين مغاربة من بينهم المنفذ الرئيسي لهذه العملية الإرهابية".

وفي إشارة لافتة وقتها، قام الملك محمد السادس بتوشيحه بوسام العرش من درجة ضابط، وهو الوسام الذي جاء بسبب مساهمته، رفقة أعضاء من جهازه، في التحقيقات الخاصة بالاعتداء الإرهابي الذي استهدف مقهى أركانة بمراكش.
وفي 15 ماي من سنة 2015، سيجمع حموشي بين منصبين أمنيين على درجة عالية من الحساسية بعد أن يعينه الملك مديرا عام للأمن الوطني، إضافة إلى مهمته على رأس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.

تخليق المؤسسة الأمنية

وبغض النظر عن مساره الحافل، فإن المواطن لمس بشكل مباشر، منذ سنوات، أن جهاز الشرطة لم يعد كما كان عليه في السابق، سواء من ناحية البنية والمعدات أو العنصر البشري.

فقد بدت واضحة لمسات حموشي التي ظهرت في طريقة تعامل الأمن مع المواطنين، والدوريات التي تؤكد في كل مرة على ضرورة تخليق هذا المجال وتنقيته من الشوائب، والقطع مع السلوكيات التي من شأنها المس بجوهر الوظيفة الأمنية وبصورة المؤسسة الشرطية.

ولعل آخر هذه المذكرات، تلك التي عممها في شهر دجنبر من سنة 2021 والتي شدد فيها "على التخليق المرفقي والسلوكي، والالتزام بواجب التحفظ والتجرد والقطع مع التدخلات والمحاباة"، في وقت أنزل عقوبات صارمة بكل من أثبتت الأبحاث الإدارية ارتكابه لهذه الأفعال.

محتوى هذه المذكرة، يبرز بشكل جيد أن الرجل لا زال يسير على النهج الذي خطه منذ البداية للمؤسسة الأمنية، وهو الجمع بين الصرامة والتخليق، في معادلة يعرف الجميع أنها صعبة جدا.

رجل الحوار والتواصل

راهن حموشي كثيرا على تغيير فلسفة العمل الأمني، فبعد أن كان الأصل أن التواصل استثناء، قام الحموشي بقلب الآية ليصبح التواصل وتوفير المعلومة هو القاعدة العامة، وحجب المعلومة هو الاستثناء، أي ما تقتضيه الضرورة.

ويتمتع حموشي وفق مقربين منه بحس إنساني عالٍ، يتجسد في متابعته الدائمة للعاملين بإدارة الأمن من هذه الناحية.

الطابع الإنساني لحموشي، وفق ما أدلى به بوبكر سبيك، الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني، "مهد لخلق صندوق الدعم والإغاثة داخل مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعي موجه للمنخرطين وذوي الحقوق والأرامل والمتقاعدين حيث يتم التكفل بأبناء الموظفين من ذوي الإعاقات والأمراض المزمنة”.

وأهم ما قيل في مناقب الرجل أيضا، ما جاء في الرسالة الملكية إثر وفاة والدته، والتي خاطبه فيها الملك محمد السادس " إن مثلكم في قوة الإيمان بقضاء الله وقدره، لن يزيده هذا الابتلاء إلا صبرا واحتسابا لحسن الجزاء عند الله. وخير عزاء في رحيل الفقيدة الكبيرة أنها أنجبت أبناء بررة، وخلفا صالحا مثلكم، وربتكم التربية الحسنة على مكارم الأخلاق، وعلى قيم الوطنية الصادقة، والتشبث بثوابت الأمة ومقدساتها".