عودة الجالية.. مهاجر مغربي يروي عن رحلة المعاناة من أجل استنشاق أوكسيجين الوطن

 عودة الجالية.. مهاجر مغربي يروي عن رحلة المعاناة من أجل استنشاق أوكسيجين الوطن
عبد الكبير الورياغلي
الأثنين 4 يوليو 2022 - 22:26

أحيانا يكون عرض الأرقام الجافة أو الإحصاءات الرسمية مملا جدا، وغير كاف للقارئ، لهذا سنستعرض في هذا التقرير مسألة عودة الجالية على شكل تجربة حقيقية لأحد أبنائها الذين يعودون كل سنة (ما لم يوجد مانع حقيقي)، وذلك عبر الطريق البرية البحرية.

سيروي لنا أحمد، وهو اسم مستعار اختاره لنفسه، كيف تبدأ رحلة العذاب نحو نعيم الوطن، منذ أن يتخذ قرار قضاء العطلة بين أحضان العائلة إلى أن يعود حزينا تاركا قلبه في الوطن.

البداية.. ميزانية العطلة

يعتقد الكثير من المغاربة الذين لم يعيشوا تجربة الاغتراب أن مغاربة المهجر لديهم عصا سحرية وأنهم يحصلون على المال بسهولة. وما يؤكد هذه الفكرة لديهم أن أغلب أبناء الجالية عندما يحضرون صيفا يكونون في بحبوحة مالية ويصرفون دون حساب.

لكن الحقيقة أن التخطيط لهذه العطلة يأخذ منهم الكثير والكثير من الحسابات، والتنازل عن أشياء كثيرة ضرورية خلال السنة من أجل تلك الشهور في المغرب.

يقول أحمد "ما لا يعرفه الكثير من إخواننا في المغرب أن قرارنا بزيارة المغرب يأخذ منا شهورا من التخطيط قد تبدأ في شهر شتنبر، خصوصا لمن يمتلك أسرة كبيرة مثلي. فالمصاريف الكبيرة التي نتحملها لا يمكن أن تكون بقرار سريع. فنحن نتحدث عن آلاف الأورووات، وربما عشرات الآلاف أحيانا".

ويضيف مفصّلا أكثر "هذه الأموال تكون مما نقتطعه من رواتبنا ونخزنه لفترة الصيف، ونضيف إليها مكافأة العطلة التي نأخذها من مشغلينا، إضافة إلى أعمال أخرى قد نقوم بها أثناء العام، أو بعض تعويضات الدولة من حين لآخر. وبعد أن نكتشف أن "الحساب كايخرّج" نقرر أخيرا أننا سنزور المغرب وسنبقى عددا محددا من الأيام المحسوبة أيضا".

الاستعداد والانطلاق

يواصل أحمد سرد حكاية العودة المتعبة "قد تكون مرحلة الاستعداد واحدة من أكثر المراحل إرهاقا لأنها تتضمن عشرات التفاصيل، والتي تبدأ من حاجيات وملابس الأسرة، ولا تنتهي بالهدايا التي على المرء أن يجلبها للأحباب والعائلة. وهذا يفسر طبعا لماذا نختار العودة برّا وليس جوّا".

ويزيد "من أوجه هذا الإرهاق هو ضرورة تذكر الجميع وألا تنسى أحدا، وإلا سيغضب منك، وهذا يتطلب جولات وجولات في الأسواق الكبرى من أجل اختيار الهدايا والتذكارات المناسبة لكل شخص. كما أنه علينا طبعا التأكد من حالة السيارة من جميع النواحي، وهل هي قادرة على قطع الطريق الطويلة التي سنجوبها أم لا".

وبعد أن نجهز السيارة ونضع كل شيء في مكانه ونقوم بشدّه وحفظه كما يجب، يضيف أحمد "نكون قد أنهينا مرحلة الاستعداد بنجاح، ويبقى فقط علينا تحديد ساعة الانطلاقة المناسبة، والتي في الغالب تكون ليلا تجنبا للازدحام".

الطريق.. العدوّ الصامت

يبتلع أحمد ريقه محاولا استجماع أفكاره وترتيبها وهو يواصل "الطريق.. وما أدراك ما الطريق.. هي مرحلة خاصة جدا وتتطلب منا التركيز والحرص والتنظيم.. ويختلف ذلك من بلد إلى بلد طبعا، فأنا في بلجيكا مثلا، يكون علي أن أقطع طرق 3 دول قبل أن أصل إلى ميناء الجزيرة الخضراء، وهي طريق طويلة ومرهقة لا تدري بالضبط أي مفاجآت تخبئ لك".

ويستطرد محدثنا "أحيانا تمر الأمور بشكل عام بسلاسة، ونجد أننا أمام الميناء في فترة قصيرة ودون معيقات أو حوادث، وأحيانا تقع أمور مختلفة الخطورة، فيكفي أن تمر أمام حادثة خطيرة لتتغير نفسيتك ويتشوش ذهنك، هذا مع رجاء ألا يحدث ذلك لك، خصوصا مع الإرهاق الشديد بسبب السياقة طيلة يومين أو ثلاثة، وهنا لا بد أن يكون للشخص مساعد يريحه من حين لآخر، فسياقة الشخص الواحد خطيرة جدا، والنوم عدوّ صامت يتربص بنا دون أن ندرك".

ويعرّج أحمد مرة أخرى على مسألة المصاريف "هناك في الطريق مصاريف مختلفة أيضا، فقد تضطر للمبيت في أحد الموطيلات إذا اضطررت إلى ذلك، وكذا ضرورة النزول في المطاعم والمقاهي كلما احتاج أفراد الأسرة إلى ذلك، ولك أن تتخيل أي ميزانية يكلف هذا الأمر".

ويضيف "بعض المغاربة يختارون أحيانا، بسبب العياء، أن يرتاحوا على جانب الطريق فقط، وهي مسألة فيها مغامرة كبيرة لأن هناك عصابات تظهر من حين لآخر تكون متخصصة في سلب المغاربة ما يملكون، وربما تعريضهم للإيذاء الجسدي أيضا.. إنها رحلة عذاب حقيقية كما قلنا".

الوصول إلى الجزيرة الخضراء.. المفاجآت

يواصل أحمد "عندما نصل إلى ميناء الجزيرة الخضراء وتظهر لنا طنجة على الجانب الآخر نعتبر أنفسنا قد وصلنا إلى أرض الوطن. لكن هذه المرحلة أيضا قد نواجه فيها صعوبات، والآن على سبيل المثال فقط سمعنا مثلا أن سلطات ميناء الجزيرة الخضراء قد منعت بيع التذاكر داخل الميناء على الوكالات التي كانت تقوم بذلك ! فكيف سنحل هذا المشكل الذي قد يفاجئ الآلاف منا بعد أن تعودنا على شراء التذاكر من عين المكان؟".

ويعتبر أحمد أن هذه القرارات الفجائية تحدث أكثر من مرة وتسبب ازدحاما وعرقلة وعذابا لا يمكن تصوره.. "كما قلت، نحن نتحمل الكثير حقا من أجل ملامسة تراب الوطن من جديد. فالسلطات هنا بشكل عام لا تبالي بنا طبعا، وتتخذ قراراتها بما يناسبها ولا يهمها تلك الازدحامات أو المعاناة التي نعيشها.. ونحن دائما على أعصابنا لأننا لا نعرف أي قرار ينتظرنا، كما نعرف أننا لن نجد آذانا صاغية لشكاوانا إلا نادرا".

ويزيد المتحدث "تصور أنك ترى وطنك على بعد كيلومترات فقط لكنك لا تستطيع أن تصله بسبب مشكل إداري أو قرار فجائي أو أي عرقلة أخرى؟ إنه عذاب بدني ونفسي، ينصاف له وجود الأسرة برفقتك خصوصا الأولاد الذين يتعرضون لاستنزاف شديد دون أن يفكر فيهم أحد".

الوطن.. أخيرا

لم يسترسل أحمد في هذه الجزئية كثيرا معتبرا أن الوصول إلى أرض الوطن، بعد كل تلك المعاناة، يمحو كل ما قبله... "عندما ننزل بسياراتنا من الباخرة، ثم نعبر نحو الطريق خارج الميناء نكون في قمة السعادة رغم كل ما عشناه.. فلقاء الأحباب اقترب، وأيام من المتعة تنتظرنا سننتزعها من رحم هذه المعاناة انتزاعا.. فلا نملك سوى أن نحمد الله".

وعن دعم بعض المؤسسات يقول أحمد "يتعلق الأمر بالأشخاص دائما، فقد تجد المساعدة من طرف شرطي "ابن ناس" يسهل لك كل شيء، وقد تجدها من طرف عامل بمؤسسة محمد الخامس للتضامن.. عموما تبقى معاناتنا عند الدخول هي لا شيء مقارنة مع ما مررنا به".

العودة.. المعاناة مرة أخرى

وتمر أسابيع العطلة بسرعة البرق، وتتكرر مراحل الاستعداد نفسها مع الاختلاف في التفاصيل والمشاعر، فهذه المرة الحزن على فراق الأحباب يعتصر القلب، والطريق التي تنتظر تبدو موحشة جدا.

أما ثالثة الأثافي كما يقولون وأسوأ مرحلة على الإطلاق فهي الانتظار في الميناء.. "ياااه.. كل ما ذكرناه سابقا يهون مقارنة مع فترة الانتظار بميناء طنجة المتوسط، والتي نعتبرها تعذيبا حقيقيا. أحاول شخصيا أن أتجنب ذلك بالعودة باكرا قبل مرحلة الازدحام، لكنني أحيانا أكون مكرها على ذلك، فنضطر للانتظار أياما من أجل ركوب الباخرة".

ويعتقد أحمد أن التنظيم قد يسهل كثيرا هذه العملية ولو أن العدد الكبير جدا للعائدين لا يمكن التغلب عليه بأية طريقة، والانتظار يبقى حتميا لا مفر منه.

فقط يأمل أحمد أن تجعل السلطات المينائية هذا الانتظار أكثر سهولة ويسرا، وأن تجهز له مسبقا وليس بشكل سريع، وكأنه أمر طارئ وليس حدثا متوقعا منذ سنين.