التحرش المباشر في شوارع المغرب.. كائنات خارج التغطية تخضع لهيمنة اللذة الوقتية

 التحرش المباشر في شوارع المغرب.. كائنات خارج التغطية تخضع لهيمنة اللذة الوقتية
مروان بوسلامتي
الجمعة 24 يونيو 2022 - 11:33

ألا زال هناك معنى للتحرش المباشر في القرن الواحد والعشرين؟

 ربما كان مفهوما في وقت ما، في زمن ما، (مفهوما  وليس معذورا)، أن يلاحق شاب فتاة في الشارع، بغض النظر عن غرضه، أكان شريفاً أم غير ذلك.

فوسائل التواصل بين الشركاء في وقت سابق كانت منعدمة، ولا وسيلة لشخص أعجب بفتاة سوى ملاحقتها، كلّ حسب تربيته وذوقه.

ورغم أن المشهد، في كل الأزمنة، هو مرفوض تماما لما فيه من اقتحام لخصوصية الآخر وإيذاء لمشاعره، إلا أن المجتمع كان يتغاضى عنه إلى حد ما للأسباب سالفة الذكر، ولكون بعض حالات الزواج تمت فعلا بهذا الشكل، مع التأكيد على صعوبة التمييز بينها وبين التحرّش المؤذي.

لكن في زمن وسائل التواصل الآنية، ألا زال هناك عذر لمتحرشي الشوارع بالمغرب؟ كيف يعقل أنه لا زال هناك من يلاحق امرأة في الشارع بطريقة فجة معتقدا أنها ستلتفت إليه وتهيم به حبّا؟؟

لقد وفر الإنترنت عشرات ومئات الوسائل للتواصل لمن يريد أن "يتعارف" على الآخرين، ولم يعد هناك أي معنى للمطاردات البائسة في الشوارع.

صحيح أن هذا التعارف قد يتعدى الحدود أيضا ويصل لمرحلة "التحرش الإلكتروني" لكن الحل في هذه الوضعية سهل جدا: المسح والحظر، وتنتهي الحكاية.

ومع كل هذا، فإن عبارات على غرار "فين أ الزين" لا زالت تتردد في شوارع المدن المغربية، ولا زال هناك حالات نراها بأعيننا لملاحقات تستمر لساعات، وكأن هؤلاء الناس، الرجل منهم خصوصا، يعيشون خارج التغطية، أو في زمن آخر تماما.

فما تفسير ذلك؟

من خلال أطروحته للدكتوراه التى جاءت تحت عنوان "الاعتداء الجنسي على الإناث، الانتشار والاعتلال النفسي"، توصل الطبيب النفسي أحمد عبد الله، إلى أن المتحرش ليس مريضًا نفسيًّا، بل هو شخص مدرك لأفعاله ولكنه يعاني خللًا يجعله يتصرف بعنف تجاه الآخرين.

وتكشف الدراسة التى بلغت المشارِكات فيها 263 طالبة، مع تطبيق التقييم الإكلينيكي للأعراض العصبية والنفسية، أن الاعتداء الجنسي هو نوع من أنواع العنف والعدوان الذي يمارسه البعض كرد فعل لعدة أسباب: منها البيولوجية مثل ارتفاع معدلات التلوث البيئي، ما يسبب ميلًا إلى العنف. كما توجد أسباب نفسية واجتماعية وسياسية، مثل التفكك الأسري والزحام والقمع أو الحرمان من الاحتياجات الأساسية.

والحقيقة أن كل الأسباب المذكورة في الأطروحة موجودة في محيطنا ومدننا، وبالتالي فجزء من المشكل أصبح مفهوما.

يضيف إلى ذلك الدكتور عبد الله "هذه العوامل عندما تجتمع مع غياب للضمير والمبادئ والتربية الصحيحة، يصبح سلوك الشخص مائلًا لكل أشكال العنف بشكل عام".

من جهتها، ترى جيب مزن حسن، المديرة التنفيذية لمؤسسة نظرة للدراسات النسوية، بأن ممارسة هذا الفعل تُشعر المعتدي بلذة وقتية، ليس فقط من لمس جسد أنثى أو مغازلتها بكلمات ذات إيحاءات جنسية، "بل من فكرة التعدي والقمع والشعور بالتفوق على مَن لا حيلة له، فكلما انزعجت الضحية وأظهرت امتعاضها وتأذيها من هذا الفعل شعر هو بمتعة أكبر".

إذن، فالمتحرشون لا يخضعون لمنطق التطور بكل معانيه، وتغذية العقد أو الأمراض النفسية التي يعانون منه لا يتوقف إلا بالإيذاء المباشر، وهو ما يفسر الملاحقات المزعجة التي  لا زالت تزخر بها شوارعنا.