سأل شخص عنترة بن شداد يوما: بم نلت هذه المنزلة؟ قال: بالشجاعة. فسأله: وبم نلت الشجاعة؟ أجاب: بالصبر.
عاد الشخص لسؤاله: وكيف نلت الصبر؟ فطلب منه عنترة أن يضع أصبعه في فمه وأعطاه أصبعه ليعضه. وبعد برهة قصيرة صرخ الشخص الآخر وقام بإطلاق سراح أصبع عنترة.
فأعطاه عنترة في الأخيرة الجواب الذي بحث عنه: بهذا هزمت أعدائي.
أكيد أن انقطاع العلاقات بين المغرب وإسبانيا خلال الفترة الأخيرة لم يكن له تأثير سلبي على إسبانيا فقط، بل على المغرب أيضا. لكن الديبلوماسية المغربية صبرت على سلبيات القرار، وتحملت "ألم" العضّ الإسباني، في سبيل الوصول إلى المنزلة الأفضل.. منزلة الشريك والجار، وليس أي منزلة أخرى.
من جهتها، أدركت إسبانيا أن منطق العناد لن يوصلها إلى شيء في علاقتها مع المغرب، وأن التوتر الذي كان بين البلدين مؤلم لها حقا، وأنها لن تطيق ذلك لمدة طويلة.
وعندما تأتي رسالة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز لتعتبر أن مقترح الحكم الذاتي "هو الأكثر جدية وواقعية ومصداقية"، كما تشير إلى امتناع إسبانيا "عن كل عمل أحادي الجانب"، فهذا لا يعني سوى أنها تقرّ بأنها خرقت مبادئ علاقات التعاون بين البلدين القائمة على عدم اللجوء إلى الممارسات الأحادية والانفرادية".
والحديث هنا طبعا عن استقبال زعيم الانفصاليين ابراهيم غالي على الأراضي الإسبانية، رغم الأعذار التي ذكرت آنذاك بكون الاستقبال كان "لأسباب إنسانية"..
من المؤكد أيضا أن رسالة رئيس الحكومة الإسبانية لن تمر مرور الكرام تحت أنوف المعارضة الإسبانية التي ستكشر عن أنيابها، وستعترض على هذه الخطوة، وهو ما بدأ فعلا من خلال تلقي سانشيز طلبا من الحزب الشعبي للمثول أمام مجلس النواب من أجل شرح أسباب تغير موقفه بخصوص قضية الصحراء، محذرا من تأثيرات ذلك على واردات الغاز الجزائرية، في حين ذهب حزب "سيودادانوس" في الطريق نفسها لكنه دعا لاستدعاء وزير الخارجية خوسي مانويل ألباريس أيضا أمام البرلمان موردا "السياسة الخارجية هي مسألة دولة، والمخاطر أكبر من أن يتصرفا بهذه الطريقة".
سيكون على الديبلوماسية المغربية عمل كثير في قادم الأيام إذن، وعلى الجانب الإسباني أن ينظر جيدا إلى مصالحه وأن يدرك أن المغرب بلد صبور، ومن الصعب الانتصار عليه في معركة "عضّ الأصبع".