الضيف الثقيل.. هكذا تواجه المملكة الجفاف والإجهاد المائي

 الضيف الثقيل.. هكذا تواجه المملكة الجفاف والإجهاد المائي
آخر ساعة
الأحد 30 يوليو 2023 - 16:42

ربما يكون الجفاف زائرا ثقيلا جدا على المغرب، لكنه مع ذلك أمر واقع ويصعب أن تمر سياسات الدولة مرور الكرام عليه، وقد شهد المغرب دائما فترات جفاف حادة وقاسية، ظلت تثقل كاهله وكاهل مواطنيه.

ونظرا لهذا الوضع، اعتمد المغرب سياسات مائية مختلفة، من أجل الاستعداد القبلي لحالات الجفاف من جهة، ومن أجل مواجهته حين وقوعه من جهة أخرى.

وفي عهد الملك محمد السادس، عرفت هذه السياسات تطورا كبيرا، وأفكارا ومبادرات استباقية، مع صرامة وجدّة في التعامل معه، باعتباره مرتبطا بشكل مباشرة بحياة المواطن.

الملك يلخص الوضع والحلول

في شهر أكتوبر من السنة الفارطة، دعا العاهل المغربي، في افتتاح السنة التشريعية، الإدارات والمصالح العمومية إلى التعامل بجدية في مواجهة "إجهاد مائي هيكلي" الذي تعانيه المملكة، داعيا المغاربة كذلك إلى ترشيد استهلاك المياه.

كما شدد على ضرورة القطع مع كل أشكال التدبير العشوائي للماء،مؤكدا أنه لا ينبغي أن تكون هذه القضية مطية للمزايدات السياسية أو تأجيج النعرات الاجتماعية.

وقال الملك إن المغرب أصبح يعيش "في وضعية إجهاد مائي هيكلي" ويمر بمرحلة جفاف صعبة "هي الأكثر حدة منذ أكثر من ثلاثة عقود"، مضيفا في خطاب ألقاه حضوريا بالبرلمان بغرفتيه بعد عامين من جائحة كورونا غيرت فيهما الجائحة افتتاح الدورات التشريعية "مشكلة الجفاف وندرة المياه، لا تقتصر على المغرب فقط، وإنما أصبحت ظاهرة كونية تزداد حدة بسبب التغيرات المناخية".

وأضاف أن الحالة الراهنة للموارد المائية في المغرب "تسائلنا جميعا حكومة ومؤسسات ومواطنين وتقتضي منا التحلي بالصراحة والمسؤولية في التعامل معها ومعالجة نقط الضعف التي تعاني منها".

وزاد الملك "لا يمكن حل جميع المشاكل بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة رغم ضرورتها وأهميتها البالغة.. لذلك ندعو إلى أخذ إشكالية الماء في كل أبعادها بالجدية اللازمة لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير بالاستغلال العشوائي وغير المسؤول لهذه المادة الحيوية".

وأكد أن "واجب المسؤولية يتطلب اليوم اعتماد اختيارات مستدامة ومتكاملة والتحلي بروح التضامن والفعالية"، داعيا الإدارات والمصالح العمومية أن تكون "قدوة في هذا المجال" كما دعا المغاربة إلى "مضاعفة الجهود لتغيير حقيقي في سلوكنا تجاه الماء... وتدارك التأخر الذي يعرفه هذا القطاع".

ويواصل الملك، سيراً على نهج الملك الراحل الحسن الثاني، وتكريسا لسياسة بناء السدود، "كيفما كان حجم التساقطات خلال السنوات المقبلة فإننا حريصون على تسريع إنجاز المشاريع التي يتضمنها هذا البرنامج في كل جهات المملكة ونخص بالذكر استكمال بناء السدود المبرمجة وشبكات الربط المائية البينية ومحطات تحلية مياه البحر بالإضافة إلى تعزيز التوجه الهادف للاقتصاد في استخدام الماء لاسيما في مجال الري".

سياسة استباقية

تستند السياسة الملكية الاستباقية والطموحة على تعبئة الموارد المائية، من خلال بناء منشآت كبيرة تهدف إلى تخزين المياه في أوقات الوفرة لإعادة استخدامها في أوقات الخصاص أو في المناطق التي تعاني من النقص.

وفي هذا الصدد، يهدف البرنامج الاستثنائي الذي أعدته الحكومة، للتخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية، والحد من تأثير ذلك على النشاط الفلاحي، وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين.

وقد أعطى الملك أمره في وقت سابق، بأن يساهم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بمبلغ ثلاثة ملايير درهم في هذا البرنامج، الذي سيكلف غلافا ماليا إجماليا يقدر بعشرة ملايير درهم.

ويرتكز هذا البرنامج الطموح على ثلاثة محاور رئيسية تتعلق بحماية الرصيد الحيواني والنباتي، وتدبير ندرة المياه ؛ والتأمين الفلاحي؛ وتخفيف الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين، وتمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، علاوة على تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال السقي.

وبحسب وزارة الفلاحة ، من المتوقع أن يزداد الجفاف تدريجيا بالمغرب، حتى عام 2050، تحت تأثير انخفاض هطول الأمطار (-11 بالمائة) وزيادة درجات الحرارة (+ 1.3 درجة مئوية)، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى "نقص في توفر مياه الري بأكثر من 25 بالمائة".

وإزاء هذه الوضعية أطلقت الحكومة حملة تحسيسية لوقف إهدار الماء وترشيد استخدامه، استمرت شهرين، بهدف دق ناقوس الخطر في مواجهة الجفاف في المغرب وتوعية المواطنين بخطورة الوضع.

وعلاوة على الإطار القانوني والمؤسسي المناسب الذي ينظم هذا القطاع، يتوفر المغرب على 149 سدا كبيرا بسعة إجمالية تزيد عن 19 مليار متر مكعب، و 16 سدا كبيرا قيد الإنجاز، و 136 سدا صغيرا قيد الاستغلال، و16 منشأة لتحويل المياه ، وآلاف الآبار ونقاط المياه وتسع محطات لتحلية مياه البحر و 158 محطة لمعالجة المياه العادمة، كما صرح بذلك وزير التجهيز والماء نزار بركة.

تحلية ماء البحر وإشادة دولية

يقول نزار بركة، وزير التجهيز والماء "كافة المدن الساحلية تنحو نحو استعمال تحلية المياه على غرار الدار البيضاء التي انطلق المشروع الخاص بها هذه السنة وسيتم الشروع في تحلية المياه في أفق 2026-2027، وكذلك آسفي في أفق 2025، والناظور، على أساس أن الطموح الكبير يتمثل في إنشاء 20 محطة لتحلية مياه".

بالإضافة إلى ذلك ، يتم إعطاء الأولوية للري في إطار مخطط المغرب الأخضر وكذلك في استراتيجية "الجيل الأخضر" التي تهدف إلى بلوغ مليون هكتار من الأراضي المسقية بالتنقيط بحلول عام 2030 للوصول بإجمالي المساحة المسقية إلى 1.6 مليون هكتار.

ومن بين الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا القطاع، يشير محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد صديقي، مؤخرا، إلى الرصد الدقيق لتطور الوضعية المائية على مستوى جميع الأحواض، موردا، في معرض رده على بعض الأسئلة الشفوية في البرلمان بهذا الخصوص، إلى الأولوية الممنوحة لحماية المحاصيل المستدامة والصناعية ، والبذور المختارة ، وتعبئة موارد مائية إضافية.

وشكلت سياسة المغرب المائية موضوع إشادة كبيرة من المجتمع الدولي حيث تم وصفها بأنها نموذج يحتدى للدول الأخرى.

وقال مدير عمليات البنك الدولي للمنطقة المغاربية ومالطا، جيسكو هينتشل مؤخرا، خلال مائدة مستديرة مخصصة لعرض تقرير الرصد حول الوضع الاقتصادي في المغرب، "لقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن الحلول التقنية لم تعد كافية لحماية الاقتصاد من الصدمات المناخية وتؤكد على الحاجة إلى سياسات تكميلية ، من قبيل المتضمنة في النموذج التنموي الجديد ، والتي من شأنها أن تأخذ في الاعتبار القيمة الحقيقية للموارد المائية و تشجيع الاستخدامات الأكثر كفاءة والأكثر ترشيدا".

 وهكذا، يظل الحفاظ على هذا المورد الطبيعي المحدود اليوم أكثر من أي وقت مضى عملا مواطنا وتضامنا وطنيا، لفائدة الأجيال القادمة.