رمضان في المغرب بين الأمس واليوم.. اندثار عادات وظهور أخرى

 رمضان في المغرب بين الأمس واليوم.. اندثار عادات وظهور أخرى
آخر ساعة
الأثنين 27 مارس 2023 - 13:22

تمرّ السنون والأعوام، ويعود رمضان حاملاً معه مشاعر مختلفة للمغاربة، بين بهجةٍ وحنين وطلب للأجر ولبداية جديدة وحياة أفضل.

ومن الطبيعي أن الكثير من الطقوس تغيرت، وأن رمضان اليوم ليس هو رمضان الأمس، بتفاصيله التي طغت عليها الآن متغيرات عديدة.

وما هو مؤكد أن رمضانات العقود الماضية كانت أهدأ وأكثر امتلاءً بما هو إنساني وشعبي، قبل ثورة التكنولوجيا التي منحت هذا الشهر الفضيل مذاقاً جديداً مختلفا.

صحيحٌ أنه لم يتمّ التخلي عن العادات دفعةً واحدة، وأن هناك منها ما هو مستمرّ إلى الآن، لكن بتحديثات جديدة فرضها إيقاع الحياة المتسارع.

الأزياء.. عادة متواصلة 

لا زالت الأزياء التقليدية تضع لها موطأ قدم كعادة متأصلة لدى المغاربة خلال شهر رمضان، حيث يكثر الإقبال عليها من طرف الرجال والنساء على حد سواء، مع أفضلية للنساء اللائي يفضلن التخلي عن اللباس العصري خلال الشهر الفضيل والاكتفاء بالجلباب المطرز بالطريقة المغربية.

يكشف س.إ، صاحب محل للملابس التقليدية، أن المغربيات يفضلن ارتداء الجلباب في رمضان، فيقتنين واحداً بسيطاً لفترة النهار، وآخر مرصعاً للزيارات والمناسبات ودعوات الإفطار.

والجميل أن الجلباب المغربي يتميز بالتنوع على مستوى التصاميم والأثواب والتطريز والترصيع، ما يوفر اختيارات واسعة ويعرض ما يناسب جميع الأعمار والأذواق.

العادة لم تتغير، لكنها تطورت مع ذلك على أكثر  من مستوى، حيث ساهمت مواقع التواصل في الترويج أكثر للموديلات الحديثة، ولطرق الاقتناء التي انتقلت من الأسواق إلى "الستوريات"، والشراء عن بعد أيضا.

ينطبق نفس الشيء على الأزياء الرجالية، خصوصا مع اقتراب ليلة القدر، ثمّ لاحقاً ليلة العيد.

بين الوعي الصحي وحماقات "يوتوب"

ازداد النقاش كثيراً مؤخرا على مواقع التواصل بخصوص مكونات المائدة المغربية الشهيرة من شباكية و"سفوف" (أو سلّو) وحريرة وغيرها.

وبقدر ما يجزم الكثيرون أن هذه المائدة منتقاة بعناية وبحكمة من خلال توفيرها ما يحتاجه جسم الإنسان بعد يوم صيام طويل، بقدر ما ظهرت في الآونة الأخيرة انتقادات كثيرة لمكوناتها.

ويختلف المحتوى الذي يتحدث عن هذه العادات بين ما هو طبي وعلمي فعلاً، وبين ما هو مجرد هرطقات، أو "نسخ-لصق" من معلومات يوفرها غوغل، وتنزيلها على المغاربة دون مراعاة للكثير من الخصوصيات.

يقول عبد الإله.إ ، وهو شاب في الثلاثينات من عمره من مدينة طنجة، "الحقيقة أنني قاطعت الحريرة منذ سنتين تقريبا، بعد أن سمعت عن الكثير من أضرارها عبر حلقات صحية في يوتوب. لا أنكر أنها ألذ وجبة في مائدة الإفطار لكن ما سمعته أثار خوفي".

وعلى عكس عبد الإله، يؤمن سعيد.ج (47 سنة) أن كل ما يتم التحذير منه في المائدة الرمضانية مجرد عبث "لا أتذكر أن مائدة أسرتنا خلت من كل المكونات المغربية المعروفة، وقد ظلّ والدي في صحة جيدة حتى آخر أيام عمرهما رحمهما الله، ولم يشتكيا يوما، وأنا لا زلت وفيا أيضا للمائدة المغربية، وأظن أن كل تلك التحذيرات مجرد كلام فارغ، فلكل شيء سلبيات وإيجابيات بالتأكيد. وحتى الأكلات المعروفة بأنها صحية قد تكون خطيرة على البعض".

وعموما، فإن المائدة المغربية عرفت فعلا تغييرات لا بأس بها، كان سببها الأول صحيا، حيث تخلت أسر كثيرة عن الحريرة، وأخرى عن الشباكية.. وهكذا. على عكس رمضان الماضي حيث كانت كل موائد المغاربة تتشابه دون أي تحفظات أو محاذير من أي نوع.

الفرجة.. بين التلفزة والهاتف الذكي

الفرجة والتسلية هي جزء من الشهر، خصوصا في فترة ما بعد العصر، حيث تنهك الأجساد الصائمة ويحتاج المرء إلى منح جسمه قسطاً من الراحة بعد يوم تعبٍ طويل.

يتذكر المغاربة جيدا، خصوصا في فترة الثمانينات وما قبلها، أن البث التلفزي لم يكن ينطلق إلا قبل آذان المغرب بساعة تقريبا، حيث يتم بثّ حزبيْ القرآن اليوميين للمقرئ العيون الكوشي، قبل أن تبدأ الفرجة والتسلية بعد المغرب، من خلال السكيتشات والتي عوضت لاحقا "السيتكومات".

لا زال لما تعرضه القنوات الوطنية نصيب الأسد، حيث لوحظ من خلال أرقام خاصة بسنة 2022، حول نسب المشاهدة في المغرب خلال شهر رمضان، أن البرامج الكوميدية على القناة الثانية، مثلا، حققت أرقام مشاهدات تتجاوز 10 ملايين مشاهد لكل منها، علما أن هذه البرامج هي التي تحظى بأكثر التعليقات السلبية في مواقع التواصل الاجتماعي.

وتقول أرقام الثلث الأول من رمضان نفس العام أن برنامج مقالب وأحد السيتكومات حقق كل منهما أكثر من 11 مليون مشاهدة، بينما حقق مسلسل كوميدي ما لا يقل عن 10 ملايين مشاهدة. 

ورغم هذا الزخم في الإقبال على التلفزة، إلا أن الهواتف الذكية بدأت تنافس هذه العادة تدريجيا، حيث يلاحظ أن الجيل الجديد خصوصا قلما يهتم بالمعروض، أو على الأقل يكتفي بمشاهدته على منصات التواصل في الأوقات التي تناسبه، وهو ما يقلل التجمع الأسري المعتاد لحظة المغرب وما بعدها.

يقول عبد الصمد.س، (19 سنة)، "عموما لا تغريني التلفزة بالمشاهدة، أفضل أن أتناول طعام الإفطار بسرعة، ثم أقوم لأرتاح مع تصفح لهاتفي، حيث يمكنني مشاهدة ما أريد بكل راحة ودون صراع على هذه القناة أو تلك، علما أن أغلب المعروض لا يغريني.. هناك سلاسل على يوتوب أفضل بكثير من الموجود في القنوات".

ويواصل عبد الصمد حديثه للصحيفة "برامج المقالب التي تتواجد على فيسبوك أو يوتوب مثيرة ومضحكة أكثر من تلك المفتعلة المعروضة على القنوات. أظن أن جيلنا تجاوز الكاميرا الخفية التقليدية من خلال أفكار طريفة ومبتكرة جدا وغير مملة".

الألعاب الشعبية تستسلم للتكنولوجيا

كانت الألعاب الشعبية تعتبر من أفضل الطرق لتزجية الوقت في نهارات رمضان في السابق، وأيضا لبعض السمر الليلي عندما كان رمضان يأتي صيفاً.

وتتذكر الأجيال السابقة العديدَ من هذه الألعاب، حيث يقول محمد.ش، البالغ من العمر 60 سنة: "كانت لدينا كمراهقين وشباب وسيلة واحدة وقتها وهي هذه الألعاب، وأتذكر منها مثلا لعبة الورق، والداما، والملاقف، وستلاحظون أنها كلها ألعاب جالسة، ولا تتطلب حركة كبيرة. وهذه في الغالب كانت تلعب في النهار".

ويضيف محدثنا "الألعاب التي تتطلب الحركة كـ"سبت سبوت" أو حتى مباريات كرة القدم بين الدروب، كانت تلعب ليلا، وفي كل الأحوال فإن الألعاب الشعبية كان لها نصيب كبير جدا من نهارات وليالي رمضان الذي عايشناه ونحن شباب".

أما اليوم، فالألعاب انتقلت إلى الشاشات الصغيرة، حتى الشعبية منها، وصار الجميع يقضي الوقت ممسكا هاتفه الذكي، مقتصداً لطاقته، ولكن محروما من متعة المخالطة والحركة واكتساب جميل الذكريات.

ويمكن ملاحظة ببساطة أن الأحياء، حتى الأكثر شعبية منها، لم تعد تمتلأ كالسابق، واختفت منها الكثير والكثير من الألعاب الشعبية، مستسلمةً بذلك لرحمة الهواتف.

الطبال.. إلى زوال

من العادات الشهيرة والأساسية في رمضان في المغرب هناك "طبال السحور"، وهي مهنة موسمية كانت تعتبر في السابق ذات أهمية كبرى، وكان يعتمد على صاحبها لإيقاظ النائمين من أجل الاستعداد للسحور.

هذه العادة بدأت تختفي تدريجيا، عاماً عن عام، مع ظهور المنبهات في بداية الأمر، ثم مع ظهور الهواتف، حيث لم يعد للطبال أهمية فعلية، ما عدا الحفاظ على العادة لا أقل ولا أكثر.

لكن، في السنوات الأخيرة، صارت العادة نادرة جدا، ولم تعد المهمة تغري أحدا بتبنيها خلال الشهر الفضيل، بعد أن فقدت جدواها وبالتالي قيمتها أيضا.

بين الحنين وسنة الحياة

يبقى الحنين إلى رمضان بنكهته القديمة حاضرا بقوة لدى الأجيال السابقة، ويتمنون أن تعود تلك الأيام حيث كان لكل دقيقة ولكل عادة وتقليد لذة ومعنىً.

لكن سنة الحياة تقول أن دوام الحال من المحال، وأن التغيير والتطور سنة كونية لا محيصَ عنها، وأن ما يراه البعض الآن دخيلاً على الحياة والعادات، هو ما سيصير يوما ما ذكرى جميلة للجيل الحالي. 

وأيا كان الحال، فإن رمضان في المغرب هو شهر خاص ومختلف، بذكرياته، بعباداته، بمذاق موائده، بطقوسه القديمة والجديدة. بكل ما هو حاضر وبكل ما هو ماضٍ.. وبكل ما هو آتٍ أيضا.