قد تكون بعض التصريحات السياسية للاستهلاك المحلي أو الخارجي أحيانا، وقد لا يعني السياسي ما يقوله، بقدر ما يهمه إيصال رسائل بعينِها فقط.
لكن يبدو أن عبارة "مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس" التي صرح بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة كانت فاصلاً فعلاً بين مغربيْن، وأن وضعَ حلفاء المغرب يتزحزح بشكل قوي ليسفر عن واقع جديد.
يؤكد هذا ما قاله الملك محمد السادس أيضا عندما تحدث عن أن زمن المواقف الضبابية قد ولّى. وهو ما يوحي بأن زمن ردود الفعل الضبابية أيضا قد انتهى.
لم يعد المغرب يناور فقط أو يشجب. إنه يتخذ مواقف فعلية وفعالة وصارمة مع هؤلاء الذين يلعبون على الحبلين ويضعون قدماً هنا وقدما هنا، وعلى رأسهم فرنسا ولاشك.
لقد حملَ إعفاء محمد بنشعبون من منصب سفير المملكة بفرنسا، الذي نشر بالجريدة الرسمية يوم قرار البرلمان الأوروبي ضد المغرب، رسالة أولى مفادها أن الأمور إذا لم تسر بشكل جيد من الجانبين، فإن المغرب لن يكون الطرف الذي يقدم أي تنازل.
إن هذا الإعفاء دون تعيين بديل، وترك المنصب فارغاً، هو رسالة واضحة أن العلاقات بين البلدين في أسوأ حالاتها، وأن الأمر لو تطوّر أكثر سيصل إلى "قطيعة" بشكل من الأشكال.
ما لا تدركه فرنسا، أو تدركه وتتغاضى عنه، أن المغرب لم يعد تلك الحديقة الخلفية التي تخالُها، وأن مياهاً كثيرة مرت تحت الجسر، منذ أيام الاستقلال.
وعندما تقرر أمريكا، القوة العظمى، الاعتراف بمغربية الصحراء، وعندما يعقد المغرب اتفاقات تاريخية مع حلفاء آخرين، فليس على فرنسا أن تنتظر أن يعود إليها شاكياً طالباً عودة المياه إلى مجاريها.
المتغيرات العالمية التي تحدث تفرض التغيير والتجديد والمواكبة. المغرب لم يتخلف عنها، فهل تفعل فرنسا؟
أما الرسالة الثانية، فهي أن المغرب صار أكثر تركيزا على اقتصاده وبالتالي استمداد القوة من الداخل وليس من الخارج.
إن إعفاء بنشعبون يتزامن مع تصريحه بعقد الاجتماع الثاني لصندوق محمد السادس للاستثمار، الذي يترأسه، خلال أسابيع، مما يعني بداية تفعليه وبالتالي خلق حركة اقتصادية محلية قوية، وكذا الترحيب بقدوم المستثمرين الأجانب.
لقد جاء تصريح هذا الأخير خلال أول ملتقى للتفكير لمجلس التنمية والتضامن، حيث أشار إلى أن الصندوق سيعلن عن استراتيجية اشتغاله في غضون الأسابيع المقبلة.
ويعلم الجميع أن هذا الصندوق يستهدف المقاولات العمومية والخاصة، بما فيها المقاولات الصغرى والمتوسطة.
كما سيعمل الصندوق على اختيار المشاريع بناء على مجموعة من المعايية أهمها فرص الشغل وكذلك إعطاء الأفضلية الوطنية.
إن اختيار إعفاء بنشعبون في هذه اللحظة يعني ببساطة أن تقوية الجبهة الداخلية هي ما يراهن عليه المغرب الآن، وهو ما يتطلب التركيز فعلا، أما الحلفاء فلهم أن يختاروا بكل بساطة وبكل وضوح من خلال المنظار الوحيد الذي أقره الملك محمد السادس: الصحراء المغربية.