الفساد يقف في وجه تقدم المغرب

 الفساد يقف في وجه تقدم المغرب
آخر ساعة
الثلاثاء 7 فبراير 2023 - 0:06

يصعب أن ينكر أي منصف ما حققه المغرب على المستوى الاقتصادي، والقفزات النوعية التي سجّلها خلال عقدين من الزمن تقريبا، والتي جعلت رؤوس دول كبرى ومؤسسات مالية تستدير نحوه من أجل التمويل أو التعاون أو الإقراض.

لكن، بالمقابل، فإن الكثير من الأيادي لا زالت تتلطخ بالوحل، مما يمنع المغرب من مصافحة ممولين جدد، والانفتاح على آفاق أفضل.

وهاهو مؤشر إدراك الفساد، الذي تصدره مؤسسة "ترانسبرانسي"، يوقظنا على حقيقة مريرة: لقد تراجع المغرب بـ7 درجات خلال سنة 2022 مقارنة بـسنة 2021، وبـ14 درجة مقارنة بسنة 2019.

اللائحة الرمادية

أصبح المغرب يحتل المرتبة 94 إذن، وهي مرتبة غير مرضية على الإطلاق، في الوقت الذي يطمح فيه إلى الخروج من اللائحة الرمادية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

هذا الخروج الذي يفترض أن يمنح المغربَ خط سيولة ووقاية من صندوق النقد الدولي، ويريح الاقتصاد من الضغط الذي يعانيه في الوقت الحالي، لكن للفساد رأي آخر على ما يبدو.

وسبق لمجموعة العمل المالي الدولية، التي اجتمعت بباريس في أكتوبر الماضي، أن أبقت، للأسف، المغرب في اللائحة الرمادية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث أكدت أن المغرب انتهى من تنفيذ مخطط العمل للخروج من اللائحة الرمادية، "غير أنه يجب التحقق من مواصلة العمل في هذا المجال".

ورغم أن المغرب وضع مخطط عمل في هذا الصدد، وشكل لجنة يعود لها تطبيق عقوبات مالية ذات صلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، ووسع دائرة الجرائم الأصلية لغسل الأموال، حيث أضيفت جرائم الأسواق المالية والبيع وتقديم الخدمات، إلا أن الفساد لا زال مستشرياً، بل ازداد توغّلا في عدد من القطاعات.

إذن، ها هو الفساد، الذي يقيم بيننا ويأبى أن يفارقنا، يوشك أن يحرمَ المغرب من خط سيولة هام جدا، يمنح الدولة قدرات أكبر للاستثمار والحركة.

انتقادات حقوقية وبرلمانية

يرى محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن  الحكومة الحالية "قامت بالتطبيع مع الفساد وتحويله إلى نشاط عادي وممارسة مقبولة في الحياة العامة".

ويضيف الحقوقي، في تدوينة على منصة فيسبوك، أن الترتيب الجديد في مؤشر إدراك الفساد "ناتج عن إدارة الحكومة ظهرها لكل المشاريع والقوانين التي من شأنها تطويق الفساد والرشوة، من قبيل تجميد الإثراء غير المشروع وترك قانون التصريح بالممتلكات على حاله، فضلا عن تجميد عمل الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها".

كما اعتبر أن الحكومة لا تتخذ إجراءات وقرارات كفيلة بوضع حد للإرتفاع المهول للأسعار وتحسين مستوى معيشة المغاربة ومكافحة مظاهر الفساد والرشوة والريع وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب.

من جانبه، يرى البرلماني مصطفى إبراهيمي، في سؤال كتابي موجه لرئيس الحكومة، أن من بين أسباب هذا التقهقر المضطرد "عدم إنجاز تطور في التشريعات التي تحارب الفساد بالمغرب، وإلى سحب الحكومة لمشروع قانون محاربة الإثراء غير المشروع".

ويعتقد إبراهيمي أن لهذا التصنيف تداعيات عدة على ثقة المواطن في الإدارة والمؤسسات المنتخبة، وكذلك على المستثمرين المغاربة والأجانب، وتعطيل مصالحهم.

برامج دون جدوى

اعتمد المغرب آليات كثيرة ومتجددة لمكافحة الفساد على غرار الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة، وكذا الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد واللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، وعشرات البرامج الأخرى، لكن حجم الظاهرة – للأسف -آخذ في التوسع،  وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول السياسة الناجعة الواجب اتخاذها لمكافحة الظاهرة.

ويرى مراقبون أن مهمة محاربة الفساد تتطلب الإحاطة الشمولية بهذه الظاهرة للتعرف على مدى انتشارها ومجالاتها وأسبابها وآثارها، بهدف التمكن من ترسيخ البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد، وتحيين وملاءمة السياسة الجنائية مع متطلبات مكافحة الفساد، وتدعيم فعالية ونجاعة مؤسسات المراقبة والمساءلة، والنهوض بالحكامة الجيدة وتعزيز الوقاية من الفساد.

كما يرون أن الخطابات المنمقة عن مكافحة الفساد والبرامج والاستراتيجيات غير المفعلة، والهيئات التي لا تتمتع بالاستقلالية، "لا يمكن إلا أن ترهن مستقبل المغرب ليستمر في الوجود في منطقة الرشوة النسقية، وهو ما يسهم في فقدان الثقة في المؤسسات، وابتذال الفساد لدرجة يصبح فيه جزءاً من تدبير الشأن العام".

إن هذا التغلغل المستمر للفساد ليس في صالح أحد، لا شعبا ولا حكومة، وهو إن استمر على هذا الحال ينذر بالأسوأ، ما لم يتم تدارك الأمر بكل صرامة وجدية.