شهدت قضية الصحراء المغربية خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا نوعيًا في مسارها الدبلوماسي، بفضل رؤية ملكية أعلت من شأن الشرعية التاريخية والسياسية، وربطتها بواقع تنموي ملموس في الأقاليم الجنوبية.
هذا التوجّه جعل من ملف الصحراء قضية وجودية كبرى للمغرب، كما ورد في خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2014، حين أكد الملك محمد السادس أن “الصحراء قضية وجود وليست مسألة حدود”، وهو تعبير يختزل ثبات الموقف الوطني من جهة، وقدرته على التأثير في المواقف الدولية من جهة أخرى.
وبالانتقال من منطق المواجهة إلى منطق البناء، كرّس المغرب مسارًا يجمع بين السيادة والتنمية.
ففي خطاب 2017، تم التشديد على تحسين ظروف العيش في الأقاليم الجنوبية باعتباره جزءًا من الدفاع عن مغربية الصحراء، وهو ما جعل التنمية أداة لتعزيز المصداقية الدولية، بدل الاكتفاء بخطاب سياسي تقليدي.
هذا التوجه تعزز أكثر في خطابات السنوات 2019 – 2021، حيث تم التأكيد على الحل السياسي الواقعي والتوافقي كأساس لمعالجة النزاع تحت مظلة الأمم المتحدة، مع إبراز الأقاليم الجنوبية كمنصة مفتوحة للاستثمارات الوطنية والدولية.
وقد أتاح هذا المنظور للمغرب أن يقدم نفسه كفاعل إيجابي وعملي، قادر على ترجمة مواقفه إلى إنجازات اقتصادية وبنيات تحتية ومشاريع كبرى.
كما عملت الرؤية الملكية على بناء تحالفات دولية راسخة على قاعدة الاعتراف بالواقع القانوني والسياسي.
وفي خطاب ثورة الملك والشعب 2022، تم التأكيد على أن ملف الصحراء أصبح مرجعًا رئيسيًا للحكم على صدق الشراكات ووفاء الحلفاء، بينما أبرز خطاب المسيرة الخضراء في السنة نفسها البعد الإفريقي كعمق استراتيجي للمغرب، يجعل من الصحراء نقطة وصل بين المملكة وقارتها.
وفي خطاب 2024، جاء التنبيه إلى ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها في التعامل مع “العالم الحقيقي” الذي يجسده المغرب على أرضه.
هذه الدينامية أثمرت اعترافات دولية متزايدة، ودعمًا متناميًا لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد الجاد والواقعي، ما رفع من ثقة المؤسسات الدولية في الموقف المغربي.
ختامًا، نجحت الرؤية الملكية في تحويل قضية الصحراء إلى رهان وطني ودولي مربح، يقوم على الشرعية التاريخية، والواقعية السياسية، والتنمية الاقتصادية، ما مكّن المغرب من تعزيز نفوذه الإقليمي وترسيخ مكانته كطرف موثوق في الساحة الدولية.
