رغم طابعها التقني، تحمل المقتضيات الجمركية الواردة في قانون مالية 2026 جملة من التعديلات القادرة على إحداث أثر مباشر في أسعار عدد من المواد الاستهلاكية.
من الهواتف المحمولة إلى المواد الغذائية الأساسية، مرورًا باللحوم الحمراء والصحة والتجهيز المنزلي، تسعى الدولة، عبر الجبايات عند الاستيراد، إلى التخفيف من الضغط على القدرة الشرائية، بالتوازي مع تعزيز تنظيم السوق.
وغالبًا ما يُنظر إلى الدورية الجمركية المرافقة لقانون المالية باعتبارها وثيقة موجهة للمتخصصين، غير أنها تتضمن هذه المرة إجراءات ذات انعكاس ملموس على حياة المواطنين.
فخلف التعديلات الضريبية والتعريفية، يبرز هدف واضح يتمثل في التأثير على بعض أسعار الاستهلاك، في سياق لا تزال فيه الضغوط التضخمية قائمة.
الهواتف والأغذية
ومن أبرز القرارات، التخفيض الكبير في رسوم الاستيراد المفروضة على الهواتف المحمولة. فابتداءً من فاتح يناير 2026، سيتم خفض الرسم الجمركي على الهواتف، بما فيها الهواتف الذكية، من 17,5 في المائة إلى 2,5 في المائة.
ويشمل هذا الإجراء أيضًا الهواتف المستوردة في شكل مجموعات CKD وSKD، التي جرى توضيح تعريفها ضمن التعريفة الجمركية.
وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز تنافسية القطاع المهيكل في مواجهة الاستيراد غير القانوني، وتشجيع بروز صناعة محلية لتجميع الهواتف، مع فتح المجال أمام انخفاض محتمل للأسعار في السوق النظامية.
وفي السياق نفسه، ينص قانون مالية 2026 على إعفاء المعرونة القصيرة غير المطهية وغير المحشوة من الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، بعدما كانت خاضعة لنسبة 10 في المائة، في حين تظل المعكرونة الطويلة خاضعة لهذا المعدل.
ورغم طابعها المحدود، تحمل هذه الخطوة بعدًا رمزيًا مهمًا بالنظر إلى الاستهلاك الواسع لهذا المنتوج داخل الأسر المغربية.
كما يندرج ملف اللحوم الحمراء ضمن الإجراءات الظرفية الرامية إلى كبح ارتفاع الأسعار، حيث تقرر تعليق رسوم الاستيراد وإعفاء الضريبة على القيمة المضافة عند استيراد الأبقار الحية في حدود 300 ألف رأس، والجمال في سقف 10 آلاف رأس، طيلة سنة 2026، بهدف تعزيز العرض الوطني وتفادي موجات جديدة من الغلاء.
أدوية وسجائر
وفي قطاع الصحة، أقرّت الدورية إعفاء الدم ومشتقاته من الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، في خطوة تهدف إلى تسهيل تموين المنظومة الصحية وضمان استمرارية الولوج إلى منتجات طبية أساسية، عبر توسيع نطاق النظام الجبائي المطبق على المواد الصيدلانية.
أما في مجال السكن والتجهيز، فقد جرى خفض الضريبة على الأخشاب المستوردة من 12 في المائة إلى 6 في المائة، وهو إجراء يُنتظر أن يساهم في تقليص كلفة المواد الأولية والمنتجات نصف المصنعة، بما قد ينعكس إيجابًا على أسعار البيع النهائية.
في المقابل، يتجه قانون مالية 2026 إلى تشديد الضغط الجبائي على بعض المواد، لاسيما السجائر، مع دخول المرحلة الخامسة والأخيرة من إصلاح الضريبة الداخلية على الاستهلاك حيز التنفيذ، وفرض الوسم الجبائي الإجباري على منتجات التبغ ومشتقاته، والسجائر الإلكترونية، وسوائل التدخين، وبدائل النيكوتين، إضافة إلى المنتجات المحتوية على السكر.
وتوازيًا مع ذلك، تعزز الدورية وسائل المراقبة الجمركية عبر تمكين الإدارة من استخدام أدوات تكنولوجية متقدمة، مثل الطائرات المسيرة والكاميرات وأجهزة المسح، في إطار مكافحة التهريب والاقتصاد غير المهيكل، بما يهدف في نهاية المطاف إلى حماية السوق والمستهلك.
وبذلك، يؤكد قانون مالية 2026 توجهًا واضحًا نحو التأثير في أسعار الاستهلاك عبر الآلية الجبائية، مع تشديد الرقابة وتنظيم السوق، فيما يبقى التحدي الأساسي مرتبطًا بمدى التنزيل الفعلي لهذه الإجراءات وانعكاسها الحقيقي على الأسعار التي يؤديها المواطن.
