توصل باحثون إلى تحديد عمر إحدى أكثر التشكيلات الصحراوية الحديثة لفتًا للانتباه، وذلك للمرة الأولى وبدقة علمية عالية.
ويتعلق الأمر بـالكثبان الرملية النجمية، وهي تكوينات هرمية ذات أذرع تمتد في اتجاهات متعددة، وتظهر على شكل نجمة عند رؤيتها من الجو.
ويقع الكثيب موضوع الدراسة في الصحراء المغربية، ويبلغ ارتفاعه نحو 100 متر، ويُعرف باسم "لالة لالّيا"، وهو اسم أمازيغي يحيل إلى “أعلى نقطة مقدسة”.
وأظهرت النتائج أن قاعدة الكثيب تعود إلى حوالي 13 ألف سنة، في حين تشكّل معظم حجمه خلال الألف سنة الأخيرة فقط، بوتيرة أسرع بكثير مما كان يُعتقد سابقًا بالنسبة لتكوينات بهذا الحجم، وفق دراسة نُشرت في مجلة Scientific Reports.
لغز جيولوجي
ولا يقتصر هذا الاكتشاف على الجانب الجيولوجي البحت، إذ إن الكثبان النجمية، رغم شيوعها في بحار الرمال الكبرى اليوم، نادرًا ما تظهر في السجل الصخري، أي في الصخور التي تحفظ ذاكرة الصحارى القديمة.
وقد شكّل هذا الغياب لغزًا للجيولوجيين، لأن الصحارى وُجدت في الماضي وكان يفترض أن تترك آثارًا واضحة.
وتقترح الدراسة الجديدة نموذجًا رسوبيًا وقراءة داخلية لبنية هذه الكثبان، ما قد يساعد على التعرف عليها عندما تكون متحجرة داخل الصخور، وبالتالي سد فجوة مهمة في فهم تاريخ البيئات الصحراوية.
ذاكرة الزمن
واعتمد فريق البحث على دمج أداتين علميتين مكّنتا من قراءة تاريخ الكثيب بدقة:
-الرادار المخترق للتربة، الذي يتيح الكشف عن البنية الداخلية دون الحاجة إلى عمليات حفر واسعة.
-التأريخ باللمعان الضوئي، الذي يسمح بتحديد آخر مرة تعرضت فيها حبيبات الرمل لأشعة الشمس، إذ تخزن المعادن طاقة أثناء دفنها وتطلقها على شكل ضوء عند تحليلها مخبريًا.
وبفضل هذا الدمج، خلص الباحثون إلى أن الكثيب مرّ بمراحل متعاقبة: قاعدة قديمة، تلتها فترة استقرار طويلة، ثم نمو متسارع نسبيًا في مرحلة حديثة.
المناخ والإنسان في قلب القصة
ويربط الباحثون بداية تشكل الكثيب بمرحلة الدرياس الأصغر، وهي فترة اتسمت ببرودة مفاجئة في نهاية العصر الجليدي الأخير. وتضع الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) هذه المرحلة ضمن الانتقال نحو العصر الهولوسيني، مشيرة إلى طابعها المناخي الحاد.
كما استندت الدراسة إلى دلائل أثرية، من بينها اكتشاف قطع خزفية في محيط الكثيب، ما يشير إلى فترات كانت فيها الظروف أكثر رطوبة، وربما شهدت نشاطًا موسميًا للرياح الموسمية، الأمر الذي ساهم في استقرار الرمال قبل أن تعود مرحلة أكثر جفافًا لتنشيط تراكمها من جديد.
كثيب يتحرك ببطء
وأظهرت النتائج أيضًا أن «لالة لالّيا» ليست بنية جامدة، إذ تتحرك ببطء في اتجاه الغرب بمعدل يقارب 50 سنتيمترًا سنويًا، وهو معطى مهم لفهم دينامية بحار الرمال وتأثيرها المحتمل على الطرق والبنيات التحتية في المناطق الصحراوية.
ولا تتوقف أهمية هذا البحث عند علم الجيومورفولوجيا، إذ يشير الباحثون إلى أن فهم كيفية تراكم وهجرة الكتل الرملية الكبرى يساعد في تفسير مكامن جيولوجية تُستغل أو تُدار اليوم، مثل الموارد المائية الجوفية أو مشاريع تخزين الكربون.
ويمتد هذا الاهتمام إلى ما هو أبعد من كوكب الأرض، حيث تشير وكالة ناسا إلى وجود كثبان عملاقة مشابهة على سطح تيتان، قمر كوكب زحل، ما يعزز فكرة أن دراسة هذه الظواهر على الأرض تسهم أيضًا في فهم تضاريس عوالم أخرى في الكون.
